التيقظ ، فقال بعضهم : هو من أسماء الأضداد ، حتى قال أبو عبيدة : الهاجد النائم ، والهاجد المصلي بليل.
وذهب بعضهم إلى أن إطلاق المتهجد على المصلي بليل إطلاق شرعي ، كأنه إنما سمّي بذلك لأنه ألقى الهجود ، وهو : النوم عن نفسه ، كما قيل للعابد : متحنث ، لأنّه ألقى الحنث عن نفسه ، ومتحرّج ومتأثمّ ومتحوّب لمن ألقى الحرج والإثم والحوب عن نفسه.
ويرى بعضهم أن التهجد أخصّ من الصلاة بالليل ، فلا يقال لكل من صلّى بالليل : متهجد ، وإنما يقال لمن نام ، ثم قام فصلّى ، ثم رقد ، فقام فصلّى ، وهو مروي عن الحجاج بن عمر المازني قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلّى حتى يصبح أنه قد تهجد ، إنما التهجد الصلاة بعد الرّقاد ، ثم صلاة أخرى بعد رقدة ، ثم صلاة أخرى بعد رقدة ، هكذا كانت صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحينئذ فلا يكون إطلاق التهجد على المصلي على هذا النحو مجازيا ، لأنّ الهاجد هو النائم ، والمتهجد طالب النوم ، لأنّه كلما صلّى كان طالبا للنوم بعد الصلاة ، فيكون التهجد في هذا المعنى حقيقيا (بِهِ) بالقرآن (نافِلَةً لَكَ) النفل الزيادة ، وقد اختلف العلماء في معنى كون التهجد زيادة خاصة بالنبي صلىاللهعليهوسلم لأن صلاة الليل ما تزال لكلّ من صلّى بليل ، فذهب ابن جرير (١) في جماعة من السلف إلى أنّ معنى زيادتها له ، خاصة أنها فريضة عليه ، زيدت على المكتوبات الخمس بالنسبة له خاصّة.
وذهب جماعة إلى أنّ معنى كونها نافلة له ، أنّ النوافل إنما يحتاج إليها لتكون كفارة لذنوب من يفعلها ، والنبي صلىاللهعليهوسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه ، فهي زائدة له ، لأنّ غيره نافلته تكفّر ذنبه ، وأما نافلة النبي صلىاللهعليهوسلم فلا تلاقي ما تكفره ، فمن هذا كانت زائدة ، وهو مروي عن مجاهد وآخرين.
ولم يرتض هذا القول ابن جرير ، وقال : نزلت سورة النصر قبل قبض الرسول صلىاللهعليهوسلم وفيها أمره بالاستغفار (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ٣].
وقد روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه كان يزيد في الاستغفار في اليوم على مئة مرة (٢) ، وكلما اشتد قرب العبد من ربه كلما زاد خوفه منه ، وإن كان السيد قد أمنه ، وذلك مقام يعرفه أهله.
(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) كلمة (عسى) في كلام العرب تفيد التوقع ، وهي هنا للوجوب ، قالوا : إنما كانت للوجوب لأنّها تفيد الإطماع ، ومن أطمع إنسانا
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (١٥ / ٩٦).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ٢٠٧٥) ٤٨ ـ كتاب الذكر حديث رقم (٤ / ٢٧٠٢).