والفج أصله الطريق بين الجبلين ، ثم استعمل في الطريق الواسع مطلقا. وتوسّع فيه حتى صار يستعمل في طريق.
والعميق أصله البعيد أسفل ، أي بعيد القاع ، فاستعمل في البعيد مطلقا ، (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) المراد بالمنافع ما يصيبون من خير الدنيا والآخرة :
فخير الدنيا ما يصيبون من لحوم الذبائح ، وأنواع التجارات ، وما تكون في ذلك الاجتماع العظيم من التعارف ، وأما خير الآخرة فهو ما يؤدون من تلك الشعائر التي هي سبب رضوان الله عليهم ، وشهودها حضورها ونيلها.
(فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قيل : هي عشر ذي الحجة. وقيل : هي العاشر واليومان بعده ، وقيل : والثلاثة بعده.
(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) قيل : المراد بذكر اسم الله حمده وشكره والثناء عليه ، و (على) حينئذ للتعليل.
واختار الزمخشري (١) أنّ ذكر اسم الله على البهيمة كناية عن ذبحها ، و (على) حينئذ للاستعلاء ، والبهيمة في الأصل اسم لكل ما له أربع قوائم ، والمراد بها هنا ما يكون من الإبل والبقر والغنم.
(الْبائِسَ الْفَقِيرَ) البائس من أصابه بؤس وشدة. والفقير المحتاج ، سواء أكان له بلغة من العيش أم لا.
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) التفث القذر والوسخ ، وقضاؤه إنهاؤه وإزالته ، والمراد ما ينشأ عنه التفث من طول الشعر والأظفار.
(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) النذر : ما التزمه الإنسان من أعمال البر.
(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) العتيق الكريم ، ومنه عتاق الإبل والخيل كرائمها ، أو هو القديم ، لأنّه أول بيت وضع للناس ، أو هو العتيق بمعنى المعتق المتحرر من تسلط الجبارين واستيلائهم ، فلا يريده أحد بعدوان إلا رده الله عنه ، وجعل عاقبة بيته السلامة والحفظ.
المعنى : يأمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد ما فرغ من بناء البيت بأن ينادي في الناس ، ليعلمهم أنّ الله قد كتب عليهم الحج إلى هذا البيت العتيق ، ليدركوا فيه منافع وخيرات كثيرة ، تعود عليهم في دينهم ودنياهم ، ويؤدّوا شعائر الله ، ويذكروا اسمه الكريم على الذبائح التي يذبحونها شكرا لله على توفيقه إياهم وإرشادهم إلى ما يصلحهم ، وأنه لا حرج على أصحاب تلك الذبائح أن يأكلوا
__________________
(١) في تفسيره : الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (٣ / ١٥٣).