يعظّم الأنعام التي يسوقها للحرم ، فيختارها سمانا حسانا ، فإن تعظيمه إياها لا محالة ناشئ من التقوى الحقيقية ، ودليل على أنه يخشى الله خشية تمكّنت من قلبه ، فهو بتعظيمها قد جمع بين مظهر الخشية وحقيقتها ، فعمله هذا هو عمل المخلصين ، وليس كعمل المنافقين ، الذين يأتون بصور الأعمال من غير أن يكون في قلوبهم شيء من الإخلاص. يدل على هذا إضافة التقوى إلى القلوب.
ولا شك أن الإخلاص والتقوى والخشية هي غاية ما يتمنى الإنسان أن يدركه في هذه الدنيا ، ليصل به إلى سعادة الآخرة.
وإخبار الله تعالى بثبوت التقوى لمن عظّم تلك الشعائر من شأنه أن يحرك الناس ، ويبعثهم على الاهتمام بأمرها ، والعناية بتخيرها ، والفرح بسوقها.
ويؤكد هذا المعنى إضافة هذه الشعائر إليه تعالى.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم أهدى مئة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب أي حلقة من ذهب.
وروي أن عمر رضي الله عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار. وكان قد سأل النبي صلىاللهعليهوسلم أن يبيعها ويشترى بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ، وقال : بل أهدها ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسوق البدن مجلّلة بالقباطي ، فيتصدق بلحومها وجلالها.
قال الله تعالى : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) مَنافِعُ) الظاهر أنّ المراد بها المنافع الدنيوية من الركوب والدّر والصوف والوبر ، ليكون قوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) مفيدا معنى جديدا. فإنّ الخير ظاهر في ثواب الآخرة ، فيكون في الأنعام التي تساق هديا إلى الكعبة منافع دنيوية ومنافع أخروية.
أما الأجل المسمى فقد اختلف في معناه ، فقال الإمام الشافعي : إنّه وقت نحرها ، وهو مروي عن عطاء.
وقال الحنفية : إنه وقت تعيينها وتسميتها هديا ، كما روي عن ابن عباس ؛ وابن عمر ؛ ومجاهد ، وقتادة.
والمحل بالكسر من حلّ الشيء يحلّ بالكسر حلولا إذا وجب ، أو انتهى أجله ، وفي الحديث : «حلّت له شفاعتي» (١) وجبت. ويقال : حل الدين : انتهى أجله ، فالمحل في الآية مكان الحلول ، أي المكان الذي ينتهي فيه أجل تلك الأنعام ، أو المكان الذي يجب ذبحها فيه.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (١ / ١٧١) ، ١٠ ـ كتاب الأذان ، ٨ ـ باب الدعاء حديث رقم (٦١٤).