ومعنى أن محلها إلى البيت العتيق أنّ المكان الذي تذبح فيه الهدايا منته إلى البيت العتيق ، ومتصل به ، إذ هو الحرم ، ولا شك أن الأمر كذلك ، فإنّه ليس نفي البيت ، ولا ما حوله من المسجد ، إذ لا يحل الذبح فيهما ، والمحل بهذا المعنى هو المراد في الآيات الأخرى ، منها قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [البقرة : ١٩٦] وقوله جلّ شأنه : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) [الفتح : ٢٥] وهو المعين في قوله عزّ اسمه : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] وعلى هذا يكون المعطوف بثم في الآية كلاما تاما أريد به بيان المكان الذي تذبح فيه الهدايا ، بعد ما بين حكم تعظيمها والانتفاع بها إلى الأجل المعين ، وقيل : إنّ المراد بالمحل نفس الحلول بمعنى الذبح ، وقيل أيضا :
إنّ المحل زمان الحلول. وعلى هذين القولين يكون محلها معطوفا على منافع ، ويكون قوله تعالى : (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) حالا من الضمير في محلها. والتقدير لكم فيها منافع دنيوية إلى أجل مسمى وبعده لكم منفعة دينية مقتضية للثواب الأخروي ، وهو وجوب نحرها ، أو وقت نحرها ، وفي ذلك مبالغة ، حيث جعل وقت النحر نفسه منفعة ، والظاهر الأول.
ما في الآية من الأحكام وأقوال العلماء في ذلك :
قد علمت أنّ الشافعية فسّروا الأجل المسمى في الآية بوقت نحر الهدي ، وعلى هذا قالوا بجواز الانتفاع بالشعائر بعد سوقها حتى تنحر ، وقالوا أيضا : إنما يجوز الانتفاع إذا كانت هناك حاجة تدعو إليه ، ولو لم تصل لدرجة الاضطرار :
أما الانتفاع بغير حاجة فلا يجوز ، فلو احتاج لشيء من لبنها ؛ ولو لم يصل إلى درجة المخمصة ؛ فله أن يشرب منه ، وكذلك إذا كان يعلم أنّ صوفها أو وبرها يضرها ، فله أن يجزّه وينتفع به ، وليس عليه قيمته للفقراء ، قالوا : والأولى أن يتصدق به عليهم. هذا هو المشهور من مذهبهم ، وعندهم رواية أخرى عن الإمام الشافعي أنه لا يجوز الانتفاع إلا للمضطر.
أما الحنفية فإنهم يفسّرون الأجل المسمى في الآية بوقت سوقها. فلا يجيزون الانتفاع بها بعد السوق إلا في حالة الاضطرار.
وقال بعضهم : إنه يجوز الانتفاع بها مطلقا في حالتي الاختيار والاضطرار.
ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر القول بوجوب الركوب.
ولمن أجاز مطلقا حجج :
١ ـ قد أثبتت الآية منافع في الشعائر ، وأباحت الانتفاع بها ، وهي لا تكون شعائر إلا بعد سوقها هدايا ، وتعيينها لذلك ، فيلزم أن يكون الانتفاع بها بعد السوق أيضا.
٢ ـ ثمّ إنّ الآية لم تقيّد جواز الانتفاع بحالة دون أخرى ، فالتقييد بحالة الاضطرار