(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.(١٠٢)) [هود : ١٠٢]. «إنّ الله ليملي للظالم حتّى إذا أخذه لم يفلته» (١).
ويصحّ أن يكون متصلا بما قبله مباشرة ، وذلك أنه تعالى لما بيّن مناسك الحج ، وما فيه من المنافع ، وكان في ذلك مزيد إلهاب وتشويق لنفوس المسلمين إلى البيت الحرام ، والوقوف بالمشاعر العظام ، ولكن أنّى لهم ذلك ، وقد صدّهم المشركون ، ووقفوا سدا منيعا دون إرواء هذه النفوس المتعطشة إلى رؤية هذا الحرم المقدس ، الذي عاشوا طوال حياتهم في ظلّه وتحت حمايته ، والذي عزّ عليهم فراقه ، ولم ينقطع حنينهم إليه ، والذي كان قلب الرسول صلوات الله وسلامه عليه معلّقا به ، حتى إنه نظر إليه حين خروجه من مكة وقال : «والله إنّك لأحبّ أرض الله إليّ ، وإنك لأحبّ أرض الله إلى الله ، ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت» (٢) وإذا ذاك توجهت قلوبهم إلى ربّ هذا البيت ، واستشرفت نفوسهم إلى عون الله ونصره وحماية بيته من عدوان المعتدين ، وتخليصه من أيدي الجبابرة الظالمين ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) توطينا لنفوسهم ، وتقوية لعزائمهم ، وإعدادا لهم للجهاد والقتال الذي سيكون به تحقيق آمالهم ، وتحرير أوطانهم وعقائدهم.
وعلى كلّ فهو وعد من الله عزوجل ، وبشارة للمؤمنين بنصر الله لهم ، وتمكينهم من عدوهم ، وكف بوائقه عنهم ، وفي ضمنه وعيد شديد ، وتهديد للمشركين بقهرهم وخذلانهم وكسر شوكتهم وزوال دولتهم ، وفيه تمهيد وتوطئة لمشروعية الجهاد.
هذا وصيغة المفاعلة في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ) إما للمبالغة في الدفع ، أو للدلالة على تكرره فقط ، لأنّ صيغة المفاعلة تدلّ على تكرر الفعل وحصوله من الجانبين ، وقد تجرّد عن معنى حصوله من الجانبين ، فتبقى دلالتها على التكرر من جانب واحد كالممارسة ، أي أنه تعالى يبالغ في دفع غائلة المشركين وبأسهم مبالغة لا تدع لهم غائلة من غوائلهم ، أو أنه تعالى يدفع بأسهم وغوائلهم مرة بعد مرة حسبما يتجدد ذلك منهم ، كقوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) [المائدة : ٦٤].
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) نفي المحبة كناية عن البغض ، وأوثر (لا يحب) على (يبغض) تنبيها على مكان التعريض ، وأن المؤمنين هم أحباء الله وأولياؤه.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ١٩٩٧) ، ٤٥ ـ كتاب البر ، ١٥ ـ باب تحريم الظلم حديث رقم (٥٩ / ٢٥٨٣) ، والبخاري في الصحيح (٥ / ٢٥٥) ، ٦٥ ـ كتاب التفسير ، ٥ ـ باب (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) حديث رقم (٤٦٨٦).
(٢) انظر مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي حديث رقم (٥٤٩٩) وقال روى الترمذي بعضه ، ورواه أبو يعلى ورجاله ثقات.