ومعنى (خَوَّانٍ كَفُورٍ) أي خوان في أماناته تعالى ، وهي أوامره ونواهيه ، أو جميع الأمانات ، ونظيره قوله تعالى : (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) [الأنفال : ٢٧] وكفور ، أي لنعمه عزوجل.
قيل : إنه تعليل لما في ضمن الوعد الكريم من الوعيد للمشركين في الجملة الأولى ، وقيل : تعليل للوعد الكريم نفسه ، وضعّف هذا بأنّ قول القائل : دفعت زيدا عن بكر لبغض زيد ليس فيه كثير عناية ببكر ، وهذا لا يناسب المقام.
وهناك وجه آخر في ربط الجملة الثانية بالأولى ، وحاصله أنك عرفت أنّ الجملة الأولى مشتملة على وعد صراحة ووعيد ضمنا ، وإذا نظرت إلى الجملة الثانية وجدت أنها مشتملة على ثبوت البغض للمشركين صراحة ، وهو يناسب الوعيد الضمني في الجملة الأولى ، فيكون علة له ، وعلى ثبوت المحبة للمؤمنين ضمنا كما هو قضية إيثار (لا يحب) على (يبغض) وهو يناسب الوعد المصرّح به في الجملة الأولى ، فيكون علة له ، وعلى هذا يكون منطوق الجملة الثانية علة لمفهوم الجملة الأولى ، ومفهومها علة لمنطوقها ، ويصير المعنى هكذا : إن الله يدافع عن الذين آمنوا لحبه إياهم ، ويخذل المشركين ويقهرهم لبغضه إياهم ، وعلى كلّ فإنّ ربط نفي الحب بالخوان الكفور يدلّ على أنّ علّة النفي هي الخيانة والكفر ، ويدل بمفهومه على أنّ علة ثبوت المحبة في مقابله هي الأمانة والشكر ، اللذان هما من خواص المؤمن.
وهنا أمران جديران بالالتفات :
الأول : أن صيغة المبالغة في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) لبيان الواقع ، وأنهم كانوا كذلك ، لا لتقيد البغض بغاية الخيانة والكفر المشعر بمحبة الله تعالى للخائن الكافر ، وكثيرا ما تذكر القيود لبيان الواقع ، حتى قيل : إنّه الأصل في استعمالها ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) [آل عمران : ١٣٠] ولا شكّ أنك إذا نظرت إلى هؤلاء المشركين ، وما وقع منهم من الأفاعيل المنكرة ، عرفت أنهم حقيقة بلغوا الغاية في الخيانة والكفر.
الأمر الثاني : أنّ المراد نفي الحب عن كل فرد من الخونة الكفرة ، فالمراد عموم السلب وشموله لجميع الأفراد ، لا سلب العموم ، وقول البيانيين : إنّ تقديم النفي على أداة العموم يفيد سلب العموم فالحق أنه حكم أكثري لا كلي ، بدليل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة : ٢٧٦] وقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠)) [القلم : ١٠] وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [لقمان : ١٨] وكذلك ما معناه ، فالمعتبر إذا في الحقيقة هو القرائن ، فمتى دلّت على عموم السلب كان الكلام لعموم السلب ، تقدّم النفي أو تأخّر.
ونقل بعضهم عن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وجها آخر بناء على أنّ