الآية لدفع هذا التوهم ، وبيان أنّ الأطفال الذين قد رخّص لهم في ترك الاستئذان في غير العورات الثلاث إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا ، كما استأذن الذين ذكروا من قبلهم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) إلخ أي فعليهم أن يستأذنوا في كلّ الأوقات ، ويرجعوا إذا قيل لهم ارجعوا.
الكلام في بلوغ الصبي
قال الله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) في القاموس الحلم بالضم والاحتلام : الجماع في النوم ، والاسم منه الحلم كعنق. وقال الراغب : الحلم زمان البلوغ سمي بذلك لكون صاحبه جديرا بالحلم وضبط النفس عن هيجان الغضب. والصّحيح أن الحلم هنا بمعنى الجماع في النوم ، وهو الاحتلام المعروف. وأنّ الكلام كناية عن البلوغ والإدراك كما سبق.
جعلت الآية حدّ التكليف منوطا ببلوغ الصبي الحلم. ومثل الآية في ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاث ... وعن الصبيّ حتّى يحتلم» (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «غسل الجمعة واجب على كلّ حالم» وفي رواية «على كل محتلم» (٢) وفي حديث معاذ (٣) رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا ، يعني الجزية. ومعنى هذه النصوص أنّ الصبي إذا بلغ أوان الاحتلام جرت عليه أحكام البالغين ، سواء احتلم أم لم يحتلم وأجمع الفقهاء على أن الغلام إذا احتلم فقد بلغ ، وكذلك الجارية إذا احتملت أو حاضت أو حملت.
لكنّهم اختلفوا في أمارات أخر تدل على البلوغ ، ويناط بها التكليف من غير احتلام ولا حيض. فعن قوم من السلف أنّهم اعتبروا في البلوغ أن يبلغ الإنسان في طوله خمسة أشبار :
روى ابن سيرين عن أنس قال : أتي أبو بكر رضي الله عنه بغلام قد سرق فأمر به فشبّر فنقص أنملة ، فخلّى عنه.
وعن علي كرم الله وجهه أنه قال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٤ / ١٣١) ، كتاب الحدود ، باب المجنون يسرق حديث رقم (٤٤٠٣).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٥٨٠) ، ٧ ـ كتاب الجمعة ، حديث رقم (٥ / ٨٤٦) ، والبخاري في الصحيح (١ / ٢٣٩) ، ١١ ـ كتاب الجمعة ، ٢ ـ باب فضل الغسل حديث رقم (٨٧٩).
(٣) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٢٠) ، كتاب الزكاة ، باب ما جاء في زكاة البقر حديث رقم (٦٢٣) ، وأبو داود في السنن ، (٢ / ١٤) ، كتاب الزكاة ، باب في زكاة السائمة حديث رقم (١٥٧٦) ، والنسائي في السنن (٥ ـ ٦ / ٢٦) ، كتاب الزكاة ، باب زكاة البقر حديث رقم (٢٤٥١) ، وأحمد في المسند (٥ / ٢٣٠).