الحدود ، يقتص له ويقتص منه. وفقهاء الأمصار لا يجعلون ذلك من أمارات البلوغ ، فقد يكون دون البلوغ وهو طويل ، وقد يكون فوق البلوغ وهو قصير.
وعن آخرين أنهم اعتبروا الإنبات من أمارات البلوغ ، يقال : أنبت الغلام إذا نبت شعر عانته. ويقال : كناية عن ذلك : اخضرّ إزاره. والشافعي رضي الله عنه يجعل الإنبات دليلا على البلوغ في حق أطفال الكفار لإجراء أحكام الأسر والجزية والمعاهدة وغيرها عليهم. واحتجّ له بما روى عطية القرظي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أمر بقتل من أنبت من قريظة ، واستحياء من لم ينبت ، قال : فنظروا إليّ فلم أكن أنبت فاستبقاني صلىاللهعليهوسلم (١). وفي كتب المغازي والسير المعتمدة أنّ سعد بن معاذ رضي الله عنه لما حكم في بني قريظة أن تقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسّم الأموال أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل كل من جرت عليه الموسى منهم ، ومن لم ينبت ألحق بالذرية (٢). وروى عثمان رضي الله عنه أنّه سئل عن غلام فقال : هل اخضرّ إزاره؟
وفقهاء الأمصار مجمعون على اعتبار السن في البلوغ ، إلا أنهم مختلفون في التقدير. فالمشهور عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أن الغلام لا يبلغ إلا بعد أن يتم له ثماني عشرة سنة ، وفي الجارية سبع عشرة سنة. وقال صاحباه والشافعي وأحمد : حدّ البلوغ بالسن في الغلام والجارية خمس عشرة سنة ، وهو رواية عن الإمام أيضا وعليه الفتوى.
دليل المشهور عن الإمام قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام : ١٥٢] وأقل ما قيل في بلوغ الأشدّ ثماني عشرة سنة ، فيبني الحكم عليه للتيقن ، غير أنّ الإناث نشوءهن وإدراكهن أسرع ، فنقص في حقهن سنة ، لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة.
وللشافعي ومن معه أنّ العادة جارية ألا يتأخر البلوغ في الغلام والجارية عن خمس عشرة سنة ، ولهم أيضا ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على النبي صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وله أربع عشرة سنة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وله خمس عشرة سنة فأجازه (٣).
واعترض الجصاص عليهم بأنّ هذا الخبر لا دلالة فيه على المدعى ، لأنّ الإجازة في القتال والرد يتبعان القوة والضعف ، لا البلوغ وعدم البلوغ ، فلعلّ عدم
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٤ / ١٣٢) ، كتاب الحدود ، باب في الغلام حديث رقم (٤٤٠٤).
(٢) مسلم في الصحيح ، ٣٢ ـ كتاب الجهاد ، ٢٢ ـ باب حديث رقم (٦٤ / ١٧٦٨) ، والبخاري في الصحيح (٥ / ٦٠) ، ٦٤ ـ كتاب المغازي ، ٣١ ـ باب مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم حديث رقم (٤١٢١).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٤٩٠) ، ٣٣ ـ كتاب الإمارة ، ٢٣ ـ باب بيان سن البلوغ حديث رقم (٩ / ١٨٦٨).