إجازته عليه الصلاة والسلام لابن عمر أولا إنما كان لضعفه ، وإجازته إياه ثانيا إنما كانت لقوته وقدرته على حمل السلاح لا لبلوغه ، ويشعر بذلك أنّه صلىاللهعليهوسلم ما سأله عن الاحتلام والسن.
قال الله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠))
القواعد : جمع قاعد بغير تاء ، لأنه مختص بالنساء كحائض وطامث. قال ابن السكيت (١) : امرأة قاعد : قعدت عن الحيض. وفي «القاموس» أنها هي التي قعدت عن الولد ، وعن الحيض ، وعن الزوج.
(لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لا يطمعن في النكاح لكبر سنّهنّ (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) يخلعنها (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) أصل التبرج : التكلّف في إظهار ما يخفى. ومادة برج تدور على الظهور والانكشاف ، ومن ذلك البرج بالتحريك سعة العين بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كله. والبرج بالضم : الحسن. والبارجة : السفينة الكبيرة للقتال ، والمراد بالتبرج هنا : تكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها.
رخّص الله للنساء العجائز اللائي أيسن ، ولم يبق لهن مطمع في الأزواج ، أن يخلعن ثيابهن ، من غير أن يقصدن بخلع الثياب التبرج والتكشف للرجال ، ولم تبيّن الآية الثياب التي رخّص للقواعد أن يخلعنها. وللمفسرين في بيانها رأيان :
الأول : أن المراد بها الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها إلى كشف العورة : كالجلباب السابغ : الذي يغطي البدن كله ، كالرداء الذي يكون فوق الثياب ، وكالقناع : الذي فوق الخمار.
وحجة أصحاب هذا الرأي ما أخرجه ابن جرير عن الشعبي أنّ أبي بن كعب قرأ : (أن يضعن من ثيابهن).
وما أخرجه ابن المنذر عن ميمون بن مهران أنّه قال : في مصحف أبي بن كعب ، ومصحف ابن مسعود (أن يضعن جلابيبهن) وهي قراءة ابن عباس أيضا. قالوا : والجلباب ما تغطي به المرأة ثيابها من فوق كالملحفة ، فلا حرج عليهن أن يضعن ذلك عند المحارم من الرجال وغير المحارم من الغرباء ، غير متبرجات بزينة.
والرأي لثاني : أنهن يضعن خمرهن وأقنعتهن إذا كنّ في بيوتهن ، أو من وراء الخدور والستور. ويضعّفه أنّ للشابة أن تفعل ذلك في خلوتها ، فلا معنى لتخصيص القواعد بذلك.
__________________
(١) يعقوب بن إسحاق ، لغوي ، أديب توفي (٤٢٤ ه) انظر الأعلام للزركلي (٨ / ١٩٥).