إلى أن القرابة والصداقة ليس معناهما إغفال الآداب العامة ، وإهدار الحقوق الإسلامية ، فإذا دخلت بيوت أقاربكم وأصدقائكم فلا بدّ أن تسلموا عليهم ، لأنّهم منكم بمنزلة أنفسكم ، فكأنّكم حين تسلمون عليهم تسلّمون على أنفسكم.
هذا وأخرج جماعة عن ابن عباس أنّ المراد بالبيوت هنا المساجد ، والسلام على الأنفس باق على ظاهره ، ومن دخل المسجد فعليه أن يقول : السلام علينا من ربنا ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وروي عن عطاء أنّ المراد بالبيوت بيوت المخاطبين ، فإذا دخل الرجل بيته قال : السلام علينا من ربنا إلخ.
وعن أبي مسلم أنّ المراد بالبيوت بيوت الكفار ، وداخلها يقول ما تقدم ، أو يقول : السلام على من اتبع الهدى.
وأنت تعلم أنّ الأنسب بالمقام هو الرأي الأول ، وكلمة بيوتا وإن كانت نكرة في سياق الشرط ، إلا أنّ الفاء في قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ) تؤذن بأن المراد بها البيوت المذكورة قبل. ومعنى كون التحية من عند الله أنها ثابتة بأمره تعالى ، ومشروعة من لدنه عزوجل.
قال الضحاك : في السلام عشر حسنات ومع الرحمة عشرون ، ومع البركات ثلاثون. وظاهر ذلك أنّ البادئ بالسلام يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال : ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله تعالى ، سمعت الله تعالى يقول : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) فالتشهد في الصلاة التحيات المباركات الطيبات لله.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي هكذا يفصّل الله لكم معالم دينكم ، فيبينها لكم ، كما فصّل في هذه الآية ما أحل لكم فيها ، وعرّفكم سبيل الدخول على من تدخلون عليه (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي تفقهوا عن الله أمره ونهيه وأدبه.