مدة الحمل ستة أشهر ، وإما أن يكون له دليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر غير هاتين الآيتين ، ولا أظن شيئا من هذين اللازمين منقولا عن أبي حنيفة رحمهالله.
(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ أَنِ) هنا على ما اختاره الزمخشري (١) وغيره تفسيرية ، فما بعدها بيان لفعل التوصية ، إذ هو متضمّن معنى القول. أي قلنا له : اشكر لي ولوالديك ، وإنما وسّط الأمر بشكر الله تعالى مع أنّ الوصية في الآية مخصوصة بالوالدين ، لإفادة أنّ لا يقع شكر الوالدين موقعه إلا بعد الشكر لله.
فشكر الله تعالى حسن رعاية النّعم التي أنعم بها على الإنسان ، وصرفها فيما خلقت له بالطاعة ، وإخلاص العبادة لله ، وفعل ما يرضيه. وشكر الوالدين إطاعتهما ، وبرهما ، والقيام بكل ما يرضيهما ، إلا أنّ يكون فيه معصية لله.
وعن سفيان بن عيينة : من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا لوالديه في أدبارها فقد شكرهما. ولعل هذا بيان لبعض أفراد الشكر (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إنّ مرجع الناس جميعا في الآخرة إلى الله وحده ، فهو الذي يحاسب العباد ، ويجازيهم على ما قدّموا من أعمال.
وهذا ظاهر في التهديد والتخويف من عاقبة المخالفة والعقوق والعصيان ، كما هو وعد بالجزاء الحسن على امتثال أمر الله وطاعته وبر الوالدين وصلتهما.
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) الجهاد والمجاهدة بذل الجهد ، واستفراغ الوسع للوصول إلى الغرض. وهو هنا الإشراك بالله. وأراد سبحانه بنفي العلم نفي الشريك ، أي لتشرك بي ما ليس بشيء ، يريد الأصنام ، كقوله سبحانه في شأنها (ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ٤٢].
(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) قيّد الصحبة بأنها في الدنيا. مع أنّ ذلك معروف ، إذ الدنيا هي دار التكليف ، لتهوين أمر الصحبة ، والإشارة إلى أنّها في أيام قلائل ، سريعة الانقضاء ، فلا يضرّ تحمل مشقتها ، لقلّة أيامها ، ووشك انصرامها.
و (المعروف) هنا ما يعرفه الشرع ويرتضيه ، وما يقضي به الكرم والمروءة في إطعامهما وكسوتهما ، وعدم جفائهما وانتهارهما ، وعيادتهما إذا مرضا ، ومواراتهما إذا ماتا ، إلى ما هو معروف من خصال البر بهما وصلتهما.
أبان قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) إلى آخر الآيتين أنّ أمر الله بالإحسان إلى الوالدين عامّ في الوالدين المسلمين والكافرين ، وأن طاعة الوالدين على أي دين كانا واجبة ، إلّا إذا أمرا بمعصية ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأنّ طلب
__________________
(١) في تفسيره الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٣ / ٤٩٤).