مخترعات أهل الجاهلية ، التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي. وجعل المتبنى ابنا في جميع الأحكام مما لا حقيقة له في شرع ظاهر.
ولما كان أظهر هذه الأمور في البعد عن الحقيقة كون الرجل له قلبان ؛ قدّم الله جل شأنه قوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وضربه مثلا للظهار والتبني ، أي كما لا يكون لرجل قلبان لا تكون المظاهر منها أما ولا المتبنّى ابنا.
وقوله عزوجل : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ) الإشارة فيه إلى ما يفهم من الجمل الثلاث من كون الرجل له قلبان ، وكون المظاهر منها أما والدعيّ ابنا. وزيادة قوله تعالى : (بِأَفْواهِكُمْ) للتنبيه على أنه قول صادر من الأفواه فقط ، من غير أن يكون له مصداق أو حقيقة في الواقع ونفس الأمر ، فلا يستتبع أحكاما كما يزعمون.
(وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي فدعوا قولكم ، وخذوا بقوله عزوجل.
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) أخرج الشيخان والترمذي والنسائي (١) وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ زيد بن حارثة مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد ، حتى نزل القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) إلخ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنت زيد بن حارثة بن شراحيل». وكان من أمره ما رواه ابن مردويه عن ابن عباس (٢) أنّه كان في أخواله بني معن من بني ثعل من طيء ، فأصيب في نهب من طيء ، فقدم به سوق عكاظ.
وانطلق حكيم بن حزام بن خويلد إلى عكاظ يتسوّق بها ، فأوصته عمته خديجة أن يبتاع لها غلاما ظريفا عربيا إن قدر عليه ، فلما قدم وجد زيدا يباع فيها ، فأعجبه ظرفه ، فابتاعه ، فقدم به عليها ، وقال لها : إني قد ابتعت لك غلاما ظريفا عربيا ، فإن أعجبك فخذيه ، وإلا فدعيه ، فإنه قد أعجبني ، فلما رأته خديجة أعجبها ، فأخذته.
فتزوجها الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو عندها ، فأعجب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ظرفه ، فاستوهبه منها ، فقالت : أهبه لك ، فإن أردت عتقه فالولاء لي ، فأبى عليها الصلاة والسلام ، فوهبته له إن شاء أعتق ، وإن شاء أمسك.
قال : فشب عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم إنّه خرج في إبل لأبي طالب بأرض الشام ، فمرّ بأرض قومه ، فعرفه عمه ، فقام إليه فقال : من أنت يا غلام؟ قال : غلام من أهل مكة.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ٨٨٤) ، ٤٤ ـ كتاب فضائل الصحابة ، ١٠ ـ باب فضائل زيد حديث رقم (٦٢ / ٢٤٢٥) ، والبخاري في الصحيح (٦ / ٦) ، ٦٥ ـ كتاب التفسير ، ٢ ـ باب (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) حديث رقم (٤٧٨٢) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٣٣٠) ، كتاب التفسير ، باب تفسير سورة الأحزاب حديث رقم (٣٢٠٩).
(٢) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٥ / ١٨١ ـ ١٨٢).