قال : من أنفسهم؟ قال : لا. قال : فحرّ أنت أم مملوك؟ قال : بل مملوك.
قال : لمن؟
قال : لمحمد بن عبد المطلب. فقال له : أعرابي أنت أم أعجمي؟ قال : عربي.
قال : ممن أهلك؟.
قال : من كلب. قال : من أي كلب؟ قال : من بني عبدون. قال : ويحك ابن من أنت؟ قال : ابن حارثة بن شراحيل. قال : وأين أصبت؟ قال : في أخوالي. قال : ومن أخوالك؟ قال : طيء. قال : ما اسم أمك؟ قال : سعدى. فالتزمه وقال : ابن حارثة! ودعا أباه قال : يا حارثة هذا ابنك ، فأتاه حارثة ، فلما نظر إليه عرفه ، كيف صنع مولاك إليك؟ قال : يؤثرني على أهله وولده ، ورزقت منه حبّا فلا أصنع إلّا ما شئت ، فركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة ، فلقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له حارثة : يا محمد أنتم أهل حرم الله وجيرانه وعند بيته ، تفكّون العاني ، وتطعمون الأسير ، ابني عبدك ، فامنن علينا ، وأحسن إلينا في فدائه ، فإنّك ابن سيد قومه ، وإنا سندفع إليك في الفداء ما أحببت.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيكم خيرا من ذلك؟» قالوا : وما هو؟ قال : «أخيره ، فإن اختاركم فخذوه بغير فداء ، وإن اختارني فكفوا عنه».
فقالوا : جزاك الله خيرا فقد أحسنت.
فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا زيد أتعرف هؤلاء»؟ قال : نعم. هذا أبي وعمي وأخي.
فقال عليه الصلاة والسلام : «فهم من قد عرفتهم ، فإن اخترتهم فاذهب معهم ، وإن اخترتني فأنا من تعلم».
فقال زيد : ما أنا بمختار عليك أحدا أبدا ، أنت معي بمكان الوالد والعم.
قال أبوه وعمه : أيا زيد أتختار العبودية؟ قال : ما أنا بمفارق هذا الرجل.
فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حرصه عليه قال : «اشهدوا أنّه حر ، وأنّه ابني يرثني وأرثه».
فطابت نفس أبيه وعمه لما رأوا من كرامة زيد عليه صلىاللهعليهوسلم ، فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) فدعي زيد بن حارثة.
(هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أي دعاؤهم لآبائهم ، ونسبتهم إليهم بالغ في العدل والصدق ، وزائد فيه في حكم الله تعالى وقضائه. فأفعل التفضيل ليس على بابه ، بل قصد به الزيادة مطلقا ، ويجوز أن يكون على بابه ، جاريا على سبيل التهكم بهم.
(فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي فهم إخوانكم في الدين و (مَوالِيكُمْ)