وللمخالف أن يقول : إن التشبيه يقتضي مطلق الاستحقاق ، فأين تقديمه على غيره.
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))
لا خلاف بين العلماء في أنّ المراد بالنكاح هنا العقد ، ولا خلاف بينهم أيضا في أنّ قيد الإيمان هنا ليس للاحتراز ، بل لمراعاة الغالب من حال المؤمنين أنّهم لا يتزوجون إلا بمؤمنات ، وللإشارة إلى أنه ينبغي أن يقع اختيارهم في الزواج على المؤمنات.
وكذلك اتفقوا على أنّه ليس المراد بالمس هنا حقيقته ، وهي إلصاق اليد بالجسم ، وإلا لزمت العدة فيما لو طلقها بعد أن مسها بيده من غير جماع ولا خلوة. ولم يقل بذلك أحد. بل المراد بالمس الجماع ، لشهرة الكناية به وبالمماسة والملامسة ونحوها عن الجماع في لسان الشرع.
والعدة شرعا المدة التي تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل ، أو للتعبّد ، أو للتفجّع على زوج مات.
ومعنى (تَعْتَدُّونَها) تعدونها عليهن ، أو تستوفون عددها عليهن.
والمتعة في الأصل الاستمتاع ، وما يتمتع به ، وفي لسان أهل الشرع ما يعطيه الزوج لمطلقته إرضاء لها ، وتخفيفا من شدة وقع الطلاق عليها. وبيان مقدار المتعة ونوعها قد تكفّلت به كتب الفروع.
وأصل التسريح إرسال الماشية لترعى السرح ، وهو شجر عظيم ذو ثمر. ثم توسع في التسريح ، فجعل لكل إرسال في الرعي ، ثم لكل إرسال وإخراج. والمراد به هنا تركهن وعدم حبسهن في منزل الزوجية ، إذ لا سبيل للرجال عليهن بعد طلاقهن.
والسراح الجميل يكون بمجاملتهن بالقول اللين ، وترك أذاهن ، وعدم حرمانهن مما وجب لهن من حقوق.
أخذ بعض العلماء من قوله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) أنّه لا طلاق قبل النكاح ، فقول الرجل : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، أو إن تزوجت فلانة فهي طالق ، لا يعدّ طلاقا ، فإذا تزوج لم تطلق زوجته بهذه الصيغة التي صدرت منه قبل النكاح ، سواء أخصّ أم عمّ ، وسواء أنجز أم علّق.
وقد أخرج جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن ذلك فقال : هو ليس بشيء ، فقيل له : إنّ ابن مسعود كان يقول : إن طلق ما لم ينكح فهو جائز ، فقال : رحم الله أبا عبد الرحمن ، لو كان كما قال لقال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن ولكن إنما قال : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) وقد ذكر في «الدر المنثور» وغيره من رواية علي وجابر ومعاذ وغيرهم رضي الله عنهم