عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا طلاق قبل نكاح» (١) وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين ، وهو مذهب الشافعي وأحمد.
وقال الحنفية : الطلاق يعتمد الملك أو الإضافة إليه ، لكنه في حال الإضافة إلى الملك يبقى معلّقا ، حتى يحصل شرطه الذي هو الملك ، فإذا قال للأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق ، كان هذا تعليقا صحيحا للطلاق على شرط النكاح ، فإذا حصل هذا الشرط وقع الطلاق على فوره ، وكان طلاقا في الملك بالضرورة ، فكأنّه أنجزه عليها حينذاك.
والفرق واضح بين تنجيز الطلاق على الأجنبية ، وبين تعليق طلاقها على نكاحها ، فإنّ الأول طلاق لم يحصل في الملك ، ولم يكن مضافا إليه. أما الثاني فإنّ وقوعه لا بد أن يصادف الملك حيث كان معلقا عليه. والحنفية لا يشترطون في التعليق على الملك أن يكون صريحا بصيغة من الصيغ المعهودة في التعليق ، بل المعوّل عليه عندهم أن يكون المعنى على التعليق ، فلا فرق عندهم بين التعليق اللفظي كأن يقال : إن تزوجت فلانة فهي طالق. والتعليق المعنوي مثل : كل امرأة أتزوجها طالق. غير أنّهم يشترطون في التعليق المعنوي ألا تكون المرأة معيّنة بالاسم أو بالإشارة مثل : فلانة التي أتزوجها طالق ، وهذه المرأة الحاضرة التي أتزوجها طالق ، فإنّ تعيين المرأة بالاسم أو بالإشارة يضعف معنى التعليق ، فتلتحق هاتان الصورتان وما أشبههما بالطلاق الناجز ، والطلاق الناجز لا يقع في غير الملك بالاتفاق.
وقد حكي عن مالك رضي الله عنه أنّه إن عمّ لم يقع ، وإن سمّى شيئا بعينه امرأة أو جامعة إلى أجل وقع.
وحكي عنه أيضا أنه إذا ضرب لذلك أجلا يعلم أنه لا يبلغه كأن قال : إن تزوجت امرأة إلى مئة سنة لم يلزمه شيء ، وهذا الذي حكيناه عن الحنفية والمالكية منقول عن كثير من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ، على اختلاف في التفصيل ، ليس هذا محل ذكره.
ويقول أصحاب هذا الرأي : إنّ قوله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) لا ينافي ما ذهبنا إليه ، بل إنه ظاهر الدلالة على صحة قولنا ، لأنّ الآية حكمت بصحة وقوع الطلاق بعد النكاح. ومن قال لأجنبية : إذا تزوجتك فأنت مطلّقة ، فهي طالق بعد النكاح ، فوجب بظاهر الآية إيقاع طلاقه ، وإثبات حكم لفظه.
__________________
(١) رواه ابن ماجه في السنن (١ / ٦٦٠) ، ١٠ ـ كتاب الطلاق ، ١٧ ـ باب لا طلاق قبل النكاح حديث رقم (٢٠٤٨).