وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا طلاق قبل نكاح» (١) ـ فبعد تسليم صحته ـ لا ينافي ما ذهبنا إليه ، لأنّ من ذكرنا مطلّق بعد النكاح.
وقد روي عن الزهري في هذا الحديث إنما هو أن يذكر للرجل المرأة ، فيقال له : تزوجها. فيقول : هي طالق البتة ، فهذا ليس بشىء. فأمّا من قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق البتة فإنما طلقها حين تزوجها.
ثم إنّ عطف الطلاق في الآية على النكاح ب (ثُمَ) لا يدل على أنّ الحكم خاص بالحالة التي يتراخى فيها الطلاق عن النكاح ، فإنه لا فرق بين أن يقع متراخيا ، وأن يقع على الفور ، بل عدم الاعتداد في صورة الفورية أولى منه في صورة التراخي. على هذا يكون التعبير ب (ثُمَ) للتنصيص على الحكم في الصورة التي قد يتوهم فيها وجوب العدة ، لطول المدة التي هي مظنة الملاقاة والمباشرة. وهذا ظاهر إذا كانت كلمة (ثُمَ) باقية على معناها الوضعي ، مفيدة للتراخي الزماني.
ويصحّ أن يراد منها التراخي في الرتبة وبعد المنزلة ، فيستفاد منها أنّ مرتبة الطلاق بعيدة عن مرتبة النكاح ، إذ إنّ النكاح تترتب عليه منافع كثيرة ، ويثمر ثمرات طيبة. فأما الطلاق ؛ فإنّه يحل العقدة ، ويفصم العروة ، ويبطل ما بين الزوجين وأقاربهما من روابط وصلات. ولهذا قال بعض الفقهاء : إنّ الآية ترشد إلى أنّ الأصل في الطلاق الحظر ، وأنّه لا يباح إلا إذا فسدت الزوجية ، ولم تفلح وسائل الإصلاح بين الزوجين.
وظاهر التقييد بعدم المس ـ الذي عرفت أنّه كناية عن الجماع ـ أنّ الخلوة ولو كانت صحيحة لا توجب ما يوجبه الجماع من العدة بعد الطلاق ، وهو قول الشافعي في الجديد. أما الحنفية والمالكية الذين يقولون بأنّ الخلوة الصحيحة كالجماع فمن العسير جدّا أن تحمل الآية على محمل يساعدهم. وقد حاول بعضهم أن يجعل المس كناية عن الخلوة أو عما يشمل الخلوة والجماع ، ولكنّ ذلك بعيد ، إذ لم يعرف ، ولم يشتهر إطلاق المس على الخلوة.
وإذا فوجوب العدة بالخلوة عند من يقول بذلك لا بد له من دليل آخر ، وذلك قوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الدار قطني والرازي في «أحكام القرآن» «من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق ، دخل بها أو لم يدخل».
وقال ابن المنذر : إنّ هذا قول عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، وجابر ، ومعاذ ، وروي عن زرارة بن أبي أوفى أنّه
__________________
(١) سبق تخريجه.