قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى الستور ، وأغلق الباب ، فلها الصداق كاملا ، وعليها العدة ، دخل بها أو لم يدخل.
هذا وقد اختلف علماء الحنفية بعد الاتفاق على وجوب العدة بالخلوة ، فمنهم من يقول : إنّها واجبة قضاء وديانة ، وإنّه لا يحل للمرأة أن تتزوج بزوج آخر قبل أن تعتدّ ما دامت الخلوة بالأول صحيحة ، ولو من غير وقاع. ومنهم من يقول : إنّه يحل لها ذلك متى كان الزوج لم يواقعها ، فأما في القضاء فلا اعتبار إلا بالظاهر.
وظاهر الآية أيضا أنه لا عدة على المرأة المدخول بها إذا طلّقها زوجها رجعيا ، أو أبانها بينونة صغرى ثم راجعها ، أو عقد عليها قبل انقضاء عدتها ، ثم طلقها قبل أن يمسها ، إذ إنّ هذا الطلاق الثاني يصدق عليه أنه طلاق قبل المس ، وبذلك قال أهل الظاهر. فليس عليها عدة جديدة للطلاق الثاني لأنّه طلاق قبل المس ، كما أنّه ليس عليها أن تكمّل العدة الأولى ، لأنّ الطلاق الثاني قد أبطل الطلاق الأول. ثم يكون لها نصف الصداق في صورة البينونة ، والوجه فيه ظاهر.
وقال بعض الفقهاء ومنهم عطاء والشافعي في أحد قوليه : إنّه يجب على المرأة في الصورتين أن تبني على عدة الطلاق الأول ، وليس عليها أن تستأنف عدة جديدة ، إذ الطلاق الثاني لا عدة له ، ولكن لا ينبغي أن يبطل ما وجب بالطلاق الأول ، فإنّه طلاق بعد دخول ، يجب أن تراعى فيه حكمة الشارع في إيجاب الاعتداد ، وعلى الزوج نصف الصداق في صورة البينونة ، كما يقول أهل الظاهر.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي : أنّه يجب على المرأة أن تستأنف عدة جديدة في الصورتين ، لأنّ الطلاق الثاني ـ وإن كان لم يفصل بينه وبين الرجعة أو العقد الثاني مسّ ولا خلوة ـ لا يصدق عليه أنه قد حصل قبل الدخول على الإطلاق ، إذ المفروض أنّ المرأة كان مدخولا بها من قبل ، وعلى الرجل في صورة البينونة مهر كامل لهذا الاعتبار.
وأما المالكية فإنّهم يفرقون بين صورتي الرجعيّ والبائن.
فيقولون في الأولى : إنّه يجب على المرأة أن تستأنف عدة كاملة ، إذ أنّها في حكم الموطوءة بعد المراجعة.
أما في صورة البائن فإنّ النكاح بعد البينونة عقدة جديدة ، فالطلاق بعدها يصدق عليه أنه طلاق قبل الدخول ، فلا يوجب عدة ، لكنّه لا يصحّ أن يهدم ما وجب على المرأة بالطلاق ، فعليها أن تكمل العدة الأولى ، ولها على المطلّق نصف المهر. فهم يوافقون أبا حنيفة في صورة الطلاق الرجعي ، فيوجبون عدة كاملة ، ويخالفونه في صورة البائن فيوجبون نصف المهر ، وإكمال عدة الطلاق الأول.