وظاهر قوله تعالى : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) أنّ العدة حيث تجب تكون حقا للمطلّق ، وقد يقول بعض من يسير مع الظواهر : إنّ العدة حقّ خالص للمطلق ، فإنّه يغار على ولده ، ويعنيه ألا يسقى زرعه بماء غيره ، وكون العدة لا تسقط إذا أسقطها المطلّق لا يدل على أنها لسيت حقه ، إذ قد عهد في الشريعة حقوق لا يملك أصحابها إسقاطها كحق الإرث ؛ وحق الرجوع في الهبة ؛ وحق خيار الرؤية.
لكن المشهور عند الفقهاء أنّ العدة ليست حقا خالصا للعبد ، فإنّ منع الفساد باختلاط الأنساب من حقّ الشارع أيضا.
فالراجح أن العدة تعلّق بها حقّ الله وحقّ العبد ولما كانت منفعتها عائدة على العبد ، وكانت غيرة الرجل مظنة أن تدفعه إلى أن يحول بين المرأة وحريتها في أن تلتمس غيره من الأزواج ، حتى في هذه الحالة التي لم يحصل فيها خلوة ولا وقاع ، لما كان ذلك كذلك خاطبه الله سبحانه وتعالى بأنه لا سبيل له على هذه المرأة ، وأنه يجب عليه أن يخلي سبيلها بالمعروف ، فلا يكون في الآية دلالة على أنّ العدة حق خالص للمطلق.
وظاهر أنّ الضمير في قوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَ) راجع إلى المؤمنات اللاتي طلّقن قبل أن يمسسن ، سواء أكن مفروضا لهنّ أم لا. فيكون ظاهر قوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَ) إيجاب المتعة للمطلقة قبل الدخول ، سواء أفرض لها مهر أم لم يفرض ، وبهذا الظاهر كان يقول الحسن وأبو العالية.
وقد أخرج عبد بن حميد عن الحسن أيضا أنّ لكل مطلقة متاعا ، سواء أدخل بها أم لم يدخل ، وسواء أفرض لها أم لم يفرض.
وظاهر هذه الرواية الوجوب في الكلّ عملا بظاهر قوله تعالى : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)) [البقرة : ٢٤١]. ولكنّ قوله تعالى في سورة البقرة : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] لم يجعل للتي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها مهر إلا نصف ما فرض لها ، ولم يجعل لها متعة ، لأنّ وروده في مقابلة قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)) [البقرة : ٢٣٦] يجعله كالبيان لمفهوم القيد الذي هو عدم الفرض ، فيكون كالصريح في أنّ التي طلقت قبل الدخول ولم يفرض لها مهر ليس لها متعة.
وقد علمت أنّ ظاهر الآية التي معنا يوجب لها المتعة ، فكان بين الآيتين تعارض في ظاهرهما : وللعلماء في دفع هذا التعارض طرق :
فمنهم من جعل آية البقرة مخصّصة لآية الأحزاب التي معنا ، أو ناسخة