أن يقال : إن القاعدة أغلبية ، وأن الآية جرت على خلاف الغالب ، ولكن من أين لهم هذه القاعدة؟ وما الذي يضرّ لو أنّ مجموع الشرطين جعلا قيدين في الإحلال ، سبق الثاني في الوجود أو تأخر ، خصوصا وقد ذهب إلى هذا الذي نقول طائفة كبيرة من العلماء في مقدمتهم إمام الحرمين.
ونحب أن نقول : إنّ أكثر العلماء على أنّ الهبة وقعت من كثير من النساء ، وقد وردت روايات كثيرة في أشخاص الواهبات. غير أنّهم مع ذلك يصحّحون أنّه لم يكن تحته صلىاللهعليهوسلم امرأة وهبت نفسها.
وقد أخرج ابن سعد أنّ ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ووهب نساء أنفسهنّ ، فلم نسمع أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قبل منهن أحدا.
وقد روى ابن جرير (١) وغيره عن ابن عباس أنه قال : لم يكن عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم امرأة وهبت نفسها.
وأما قوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فقد ذهب بعضهم إلى أن (خالصة) منصوب على المصدرية. وقد جاء المصدر على هذا الوزن كثيرا : كالعافية ، والكاذبة. ثم هو يرجع إلى إحلال الواهبة ، أي أحللنا لك الواهبة يخلص لك ذلك خلوصا. وذهب بعضهم إلى أن (خالصة) حال من امرأة ، أي أحللنا لك امرأة وهبت نفسها حال كونها خالصة لك ، لا تحل لأحد بعدك.
ويرى البعض أنه راجع إلى جميع المحللات ، والمعنى أحللنا لك كلّ ما تقدم على أن تختص بهن ، لا يكون لأحد بعدك أن ينكحهن.
وأما قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فهو جملة اعتراضية جيء بها لتوكيد مضمون الجملة قبلها. والمعنى : أن ما ذكرناه حكمك مع نسائك ، وأما حكم أمتك مع نسائهم ، فعندنا علمه ، نبينه لهم على حسب ما تقضي به الحكمة والمصلحة في شأنهم.
واحتيج إلى هذا هنا حتى لا يظنّ أنّ ما جاز للنبي صلىاللهعليهوسلم في أزواجه من الشؤون يجوز لأمته ، وقد كان للنبي صلىاللهعليهوسلم في النكاح وفي التسري خصائص ليست لغيره ، فهو يزيد في النساء إلى التسع ، وغيره لا يباح له الزيادة على الأربع ، واختص النبي صلىاللهعليهوسلم بنكاح الواهبات دون الناس.
والذي فرضه الله على الناس في أزواجهم ألا يجاوزوا أربعا من النساء ، والولي ، والشهود ، والمهر ، والنفقة ، والكسوة ، على ما في بعض ذلك من خلاف بين الفقهاء.
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (٢٢ / ١٧).