(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) أي أنّه لا حرج ولا إثم إذا عنّ لك أن تطلب إحدى المرجئات والمعزولات ، فتضمها ، وتؤويها إليك بعد عزلها وإرجائها ، ويجوز حمل الإرجاء والعزل هنا على الطلاق ، ويكون المعنى : ومن طلبت رجوعها ممن تكون قد عزلت فلا جناح عليك في طلب رجوعها إلى العصمة.
ويجوز أن يراد منه التأخير في القسم ، أو ترك القسم ، ويكون المعنى : ومن طلبت إيواءها وإدخالها في القسم ممن أخرت القسم لها أو تركته ، فلا جناح عليك.
وأما أن يراد بالابتغاء طلب النكاح ، وبالعزل والإرجاء تركه ، على أن يكون المعنى : ومن طلبت نكاحها من اللاتي تركت فبعيد ، لأنّ العزل مشعر بأن تكون المعزولة كانت في زمرة ثم عزلت ، وفصلت عنها. والتي رفض نكاحها لا يقال : إنها كانت في زمرة فصلت وعزلت منها. و (مَنْ) عل كلّ هذا شرطية جوابها فلا جناح عليك.
وروي عن الحسن أنّ معنى الآية : إنّا جعلنا لك أمر الإرجاء والإيواء ، وجعلنا لك أيضا أن تطلب نكاح من تشاء عوضا ممن عزلتها بالطلاق أو بالموت. وهو في هذا يحمل الإرجاء على الطلاق ، ويكون المعنى : أن الله أحلّ لك صنوفا من الأزواج ، تطلق من تشاء منهن ، وتعتاض عمن عزلت بالطلاق أو بالموت منهن ، وعلى هذا (فمن) في قوله : (مِمَّنْ عَزَلْتَ) للبدل ، مثلها في قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) أي بدل الآخرة.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) اسم الإشارة يرجع إلى ما تضمّنه الكلام السابق من تفويض أمر الإرجاء والإيواء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي إنّ تفويضنا الأمر ـ في إبقاء من تشاء ، وترك من تشاء ، أو في القسم وتركه إليك ـ أقرب أن تكون أعينهن قريرة. وذلك كناية عن سرورهن بذلك ، فلا تحزن من كان لهن الإرجاء ، ويرضين بما تصنع معهن. لأنّه متى علمن أنّ الأمر صار إليك ، صار في مرجو المعزولة أن تكون يوما صاحبة فراش ، فلا تيأس من قربك ، ولا تقنط من رحمة الله.
وأما قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) فهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأزواجه رضي الله عنهن ، وجمع بجمع الذكور للتغليب ، وتعقيب الكلام السابق بهذا يراد منه الحثّ على إصلاح ما عساه يكون في القلوب جميعا بالقدر المستطاع ، فيخفف النبي صلىاللهعليهوسلم ما عساه يكون منه من أثر للميل في معاملة نسائه ، ويذهب من النساء ما عساه يكون من أثر للغيرة التي تغلب النساء عادة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) يعلم خفيّات الصدور ، وما يكون لها من آثار ظاهرة وباطنة. ولا يعجل العقاب قبل الإرشاد والنصح.