لقد حكى القرطبي (١) الإجماع على ذلك ، وذلك عملا بما يقتضيه الأمر (صَلُّوا) من الوجوب ، وتكون الصلاة والسلام في ذلك ككلمة التوحيد ، وذلك أنك تعلم أنّ الصحيح أنّ الأمر لا يقتضي التكرار ، وإنما هو للماهية المطلقة عن قيد التكرار والمرّة ، وحصوله بالمرة ضرورة من ضرورات الحصول.
وذهب بعضهم إلى القول بوجوب الصلاة والتسليم في التشهد ، وقيل : هي واجبة في الصلاة من غير قيد بمكان. وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقيّد بعدد ، وقيل : تجب في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره فيه ، وقيل : تجب كلما ذكر.
ولعل هذا القول من قائليه مبنيّ على أنّ الأمر يفيد التكرار ، ولعلهم يستدلون بالأحاديث الترغيبية والترهيبية الواردة في فعلها وتركها ، وأنت لو اطلعت على هذه الأحاديث لفهمت من صيغتها أنّها لمجرد الترغيب ، وأنّها ككل الحسنات تتضاعف ، انظر إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» (٢) و «من صلّى عليّ عشرا صلّى الله عليه مائة» فإنك واجد أنّه متفق مع قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] وما قال أحد إلا أن هذا ترغيب في الإحسان.
وعلى كلّ فالآية لا دلالة لها إلا على الوجوب مرة ، فمن زاد على هذا فعليه الدليل ، ونحن لما يدل عليه ملتزمون.
وأخيرا فليلتمس القائلون بغير ما تدل عليه الآية دليلهم في غيرها ، فإن قام دليل على وجوب الصلاة والسلام في التشهد وجب ، وإن دلّ على ختام الصلاة وجب ، وإلا فالآية بمنأى عن هذا كله.
قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧)) هذا عود إلى تأكيد النهي عن أذى النبي صلىاللهعليهوسلم ، بعد الأمر بالصلاة والتسليم عليه اقتضته العناية الكاملة بشأن الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وقد قيل : إنّ المراد بأذى الله ورسوله ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر والعصيان ، وقيل : بل إيذاء الله تعالى : ما يكون من قبيل قول اليهود والنصارى يد الله مغلولة ، والمسيح ابن الله ، وعزير ابن الله ، وجعل الأصنام شركاء لله ، وإيذاء الرسول : انتقاصه بوصفه بالشّعر والسّحر والجنون. وقيل : إيذاء الرسول صلىاللهعليهوسلم المراد هنا هو ما كان من طعنهم في نكاح صفية بنت حيي ، إلى غير ذلك ، ولا مانع أن يكون كلّ ذلك مرادا.
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن المشهور بتفسير القرطبي ، طبعة تصوير ، بيروت دار المعرفة (١٤ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٠٦) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١٧ ـ باب الصلاة من النبي حديث رقم (٤٠٨).