وقيل : إن المقصود هنا إيذاء الرسول خاصة صلىاللهعليهوسلم وذكر الله عزوجل معه للتشريف ، والإشارة إلى أنّ ما يؤذي الرسول صلىاللهعليهوسلم لخليق به أن يؤذي الله تعالى ، ولا يرضيه ، كما جعلت طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومحبته طاعة الله تعالى ومحبته.
واللعن الطرد والإبعاد من رحمة الله ، وبعد ذلك فهناك العذاب المهين المحقّر ينتظر في الآخرة.
قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))
لما أنهى الكلام في شأن الذين يؤذون الله ورسوله ناسب ذلك أن يقرن به ذكر الذين يتعرّضون للمؤمنين بالأذى ، والأذى هنا مطلق كالأذى في الآية السابقة ، يتناول كل ما يصدق عليه اسم الأذى ، سواء أكان بالقول أم بالفعل ، وسواء أكان إيذاء للعرض أو الشرف أو المال ، فإنّ الذين يلحقون بالمؤمنين أيّ نوع من أنواع الأذى يستحقون الجزاء الذي ذكر في الآية الكريمة ، لا يخصّ منه شيء إلا ما خصّه الله تعالى ، وهو أن يكون الإيذاء جزاء على الاكتساب ، كالإيذاء بالقصاص ، والإيذاء بقطع اليد في السرقة ، وكالإيذاء بالتعزيرات المختلفة ، وكالحقّ الوارد في
قوله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها» (١).
وقد فهم أبو بكر رضي الله عنه أنّ الزكاة حقّ المال ، فقاتل مانعيه من أجله ، وقال : والله لو منعوني عناقا كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه. وحاجّه في ذلك عمر ، فقال له : إلا بحقها ، والزكاة حق الأموال ، فانشرح صدره لما رآه أبو بكر.
وقد يخطر لك أن تقول : لما ذا قيل : (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) هنا ، ولم يقل في الآية المتقدمة مثله؟
ونقول : لأنّ اكتساب الأذى هناك لا يكون ، أما العباد فكل يوم يعدو بعضهم على بعض.
والمراد بالبهتان الفعل الشنيع ، والإثم المبين البيّن الظاهر. واحتماله : حمله وفي التعبير بالاحتمال إشارة إلى ثقل ما يحملون من أوزار.
ويذكر المفسّرون هنا أسبابا لنزول الآية (٢) ، فيقولون : هي في قوم آذوا عليا أو
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٥) ، ١ ـ كتاب الإيمان ، ٨ ـ باب حديث رقم (٢٠ و ٢١) ، و (١ / ٥٣) ، ٨ ـ باب الأمر بقتال الناس حديث رقم (٣٦ / ٢٢) ، والبخاري في الصحيح (١ / ١٤) ، ٢ ـ كتاب الإيمان ، ١٧ ـ باب حديث رقم (٢٥) و (١ / ١١٨) ، ٨ ـ كتاب الصلاة ، ٢٨ ـ باب فصل استقبال القبلة حديث رقم (٣٩٢).
(٢) انظر تفصيله في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٥ / ٢٢٠ ـ ٥٢١).