عائشة ، وقيل في شأن النبي وصفيّة ، وقيل : في قوم كانوا يتّبعون النساء إذا برزن لحاجتهنّ. وهي بعد ثبوتها لا تقتضي حمل الآية على واحد منها ، وقد تكون الآية نزلت بعد تجمّع الأسباب.
وقد روى البيهقي في «شعب الإيمان» عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «أيّ الرّبا أربى عند الله» قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم» ثم قرأ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) الآية.
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)) جرى حكم العرف بتخصيص النساء بالحرائر ، وسبب النزول الآتي يقتضيه ، وآخر الآية ظاهر فيه.
والإدناء : التقريب ، أدناني منه : قرّبني منه. وهو هنا مضمّن معنى الإرخاء والسدل ، ولذا عدّي بعلى ، يقال : إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة : أدني ثوبك على وجهك ، أي أرخيه واسدليه. والجلابيب جمع جلباب ، وقد اختلف أهل التأويل في الجلباب على ألفاظ متقاربة عمادها أنه الثوب الذي تستر به المرأة بدنها كله ، ويتأتى معه رؤية الطريق إذا مشت.
روى جماعة من المفسرين أنّه كانت الحرة والأمة تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل من غير امتياز بين الحرائر والإماء ، وكان في المدينة فسّاق لا يزالون على عاداتهم في الجاهلية ، يتعرّضون للإماء ، وربما تعرضوا للحرائر ، فإذا قيل لهم يقولون : حسبناهن إماء فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي ، فيستترن ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهنّ مراض القلوب.
واختلف أهل التأويل في كيفية هذا التستر ، فأخرج ابن جرير (١) وغيره عن ابن سيرين أنه قال : سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) فرفع ملحفة كانت عليه ، فتقنّع بها ، وغطّى رأسه كلّه حتى بلغ الحاجبين ، وغطّى وجهه ، وأخرج عينه اليسرى من شقّ وجهه الأيسر ، وروي مثل ذلك عن ابن عباس.
وفي رواية أخرى عنه أنها تلوي الجلباب فوق الجبين ، وتشدّه ، ثم تعطفه على الأنف ؛ وإن ظهرت عيناها ، لكن تستر الصدر ومعظم الوجه.
وأخرج عبد الرزاق وجماعة عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية (يُدْنِينَ
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (٢٢ / ٣٣).