العرب من عبادة الأوثان والأصنام ، فكانوا يصوّرون ويعبدون ، فقطع الله الذريعة وحمى الباب.
وقد ورد في كتب التفسير في شأن يغوث ، ويعوق ، ونسر ، وود ، وسواع : أنّهم كانوا قوما صالحين ، ثم صوّروا بعد موتهم تذكيرا بهم وبأعمالهم ، ثم انتهى الحال آخر الأمر إلى عبادتهم.
قال ابن العربي : وقد شاهدت بثغر الإسكندرية إذا مات ميت صوّروه من خشب في أحسن صورة ، وأجلسوه في موضعه من بيته ، وكسوه بزّته إن كان رجلا ، وحليتها إن كانت امرأة ، وأغلقوا عليه الباب ، فإذا أصاب واحدا منهم كرب ، أو تجدّد له مكروه فتح الباب عليه ، وجلس عنده يبكي ، ويناجيه بكان وكان ، حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه ، ثم يغلق الباب عليه ، وينصرف عنه ، وإن تمادى بهم الزمان تعبّدوها من جملة الأصنام والأوثان (١).
بعد هذا نقول : إنه ليس لأحد أن يحتجّ بقصة سليمان في التماثيل ، فإنّها وإن كانت في شريعة من قبلنا ، فقد وجد المغيّر في شريعتنا ، وشريعة من قبلنا إنما تكون شريعة لنا إذا لم يوجد الناسخ ، وقد وجد ، على أنّ من الممكن أن يقال : إن التماثيل التي كانت في ذلك العهد يحتمل أن تكون مما أباحت شريعتنا اتخاذه ، فإن لم يصلنا من طريق قاطع أنّ التماثيل التي كانت ، إن كانت هناك تماثيل اتخذت ، كانت تماثيل لذي روح ، وحينئذ يزول الإشكال.
وإننا لننقل لك عن العلامة ابن حجر في شرحه للبخاري آراء العلماء في اتخاذ الصور تتميما للفائدة قال رحمهالله : نقلا عن ابن العربي : حاصل ما في اتخاذ الصور أنّها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع ، وإن كانت رقما فأربعة أقوال :
الأول : يجوز مطلقا ، عملا بحديث : «إلا رقما في ثوب».
الثاني : المنع مطلقا.
الثالث : إن كانت الصورة باقية بالهيئة ، قائمة الشكل حرم ، وإن كانت مقطوعة الرأس ، أو تفرّقت الأجزاء جاز ، قال : وهذا هو الأصح.
الرابع : إن كانت مما يمتهن جاز ، وإن كان معلقا لم يجز.
ونقل عن النووي أنّ جواز اتخاذ الصور إنما هو إذا كانت لا ظلّ لها ، وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس ، أو يمتهن بالاستعمال ، كالمخاد والوسائد. والقول بجواز ذلك مروي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ، وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي.
__________________
(١) انظر أحكام القرآن للإمام ابن العربي (٤ / ١٥٨٨).