وعذاب ، والنصب : بضم النون وإسكان الصاد : التعب ، كالنّصب بالفتح فيهما ، والعذاب : النكال.
وجاء في بيان كشف الضر عنه أمره أن يركض برجله ، والقول له : هذا مغتسل بارد وشراب. والمغتسل : مكان الغسل ، والشراب : ما يشرب. ثم جاء في هذا البيان أيضا أنه وهبه أهله ومثلهم معهم ، وأنّ ذلك كان رحمة منه وذكرى لأولي الألباب ، على نحو ما جاء في سورة الأنبياء تماما بفارق بسيط ، ذلك أنّه قيل في الأنبياء : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) وقيل في ص : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) وقيل في الأنبياء : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) وقيل في ص [٤٣](رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ).
وقد جاء في سورة ص زيادة لم تظهر في (سورة الأنبياء) ذلك هو قول الله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) وإنما جعلنا هذه زيادة لم تظهر ، مع أنّها طريق من طرق كشف الضر الذي أصاب أيوب ، لأنا رأينا القرآن قد فصل بين الضّرّ الذي أصاب أيوب في شخصه ، وبين ما أصابه في أهله.
فقال في الأول : (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ).
وقال في الثاني : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ). فدلّ ذلك على أنه أصابه ضران : ضرّ في النفس ، وضرّ في الأهل ، وقد جاء إيتاء الأهل في السورتين نصا ، وجاء كشف الضّرّ في الأنبياء بلفظه ، وفي ص بالأمر بالرّكض بالرجل.
أما الأمر بأخذ الضّغث ، والضرب به ، فشيء جديد ، جاءت به آية مستقلة ، وهي في شأن من شؤون أيوب كان من الخير ألا يفعله حتّى لا يتأذّى به غيره.
ويكاد القرآن الكريم يكون صريحا في أنّ الضرّ الذي مسّ أيوب عليهالسلام ضر حسيّ ، تلمسه من قول أيوب : مسني الضر ، وقوله في سورة ص : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) وفي قول الله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) وقوله لأيوب : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)) وليس بلازم في ثبوت صبر أيوب أن يكون الضر الذي أصابه قد وصل إلى الحدّ الذي عصم منه الأنبياء ، وعلى الوجه الذي ينقله المفسرون من الإسرائيليات التي لا يكاد يثبت منها شيء. بل يكفي أن يكون مرضا من الأمراض المستعصية التي ينوء بحملها الناس عادة ، ويضجرون من ثقلها ، وخصوصا إذا امتدّ الزمن بها ، وإنّك لتفهم من التعبير عنها بمس الشيطان أنها مما لا يؤلف عادة ، وكلّ غريب غير مألوف يقال فيه : إنّه من فعل الشيطان.
وقد يكون التعبير عنها بأنها مس الشيطان للتأدب ، على حد ما يقال : (إن كان خيرا فمن الله ، وإن كان شرّا فمني ومن الشيطان).