فإذا احتملها الإنسان ؛ وصبر عليها صحّ أن يقال فيه : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
وأما اللجوء إلى القول بأن ذلك الضّرّ هو إعراض قوم أيوب عن دعوته فرارا مما رواه المفسرون من خرافات لا تصح ، فهو ظنّ لا يغني من الحق شيئا.
فالقرآن الكريم في المواضع الأربعة التي جاء فيها ذكر أيوب لم يذكر فيها شيئا عن دعوته في قومه ، ولا شيئا مما كان من قومه ، ولو أنّ الذي أصاب أيوب من قومه في دعوته كان شيئا يصحّ أن يذكر لذكره الله في عبارة صريحة واضحة جلية ، كما هو الشأن في الذين لقوا عنتا في سبيل دعوتهم ، على أنّا لا نعتقد أنّ أحدا من الرسل لقي عنتا مثل الذي لقي إبراهيم ونوح وموسى.
لقد بلغ من عداوة قوم إبراهيم له أن قالوا : (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) [الأنبياء : ٦٨].
وبلغ من عناد قوم نوح أن قال فيهم : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (٦)) [نوح : ٥ ، ٦] وأن اضطر إلى أن يسأل الله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (٢٧)) [نوح : ٢٦ ، ٢٧]. وحتى ابنه كان في معزل عنه ، ولم يستمع لأبيه حتى في طلب النجاة من الغرق.
ولم يكن شأن موسى مع قومه بأقلّ من هذا ، فقد أخرجه عنادهم إلى التيه ، كلّ هذا وغيره أصاب الأنبياء في دعوتهم ، ولم يحك القرآن أن أحدا منهم قال : مسني الضر ، ولا مسني الشيطان بنصب وعذاب.
وقد أمر الله نبينا صلىاللهعليهوسلم أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ولم يقل أحد : إنّ أيوب كان من أولي العزم ، مع أنّ الله يقول فيه : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) ولقد كان صبر أيوب مضرب الأمثال ، وأولو العزم من الرسل هم الذين أصابهم عنت معارضة الدعوى ، فصبروا ، وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتأسّى بهم.
ترانا قد أطلنا في غير ما هو مقرّر علينا ، ولكن جرّنا إليه أنّا أردنا أن نبيّن المخاطب في قوله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).
والضغث : في اللغة قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس. وقال ابن عباس : وهو عثكال النخل.
والحنث : يطلق على الإثم ، وعلى الخلف في اليمين ، وعلى هذا فقد أمر الله أيوب أن يأخذ قبضة من حشيش ، أو حزمة حطب ، فيضرب بها ، ونهاه أن يحنث.
وإذن لقد كان أيوب حلف ليضرب ، وكان هذا الضرب مؤذيا وإذا تركه أيوب يكون حانثا مخالفا ليمينه ، فنهاه الله أن يحنث ، وأوجد له المخرج من إيقاع الذي