الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥] وبقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)) [التوبة : ٢٩].
ويقولون : إنّ ما كان من النبي صلىاللهعليهوسلم في صلح الحديبية : «إنّ من جاءنا منهم رددناه عليهم» (١) قد نسخ. ونهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإقامة بين أظهر المشركين ، وقال : «من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذّمة» (٢) وما روي في أسارى بدر منسوخ بما تلونا.
هذه حجج الفريقين قد سقناها لك ، وإنك لترى فيها أنّ النبي فعل أشياء كثيرة مختلفة ، فمنّ وقال : «اذهبوا فأنتم الطّلقاء» وقال : «من دخل دار فلان فهو آمن».
وفي الوقت نفسه قتل جماعة من الأسرى ، وقال : «اقتلوهم وإن تعلقوا بأستار الكعبة» وقتل يهود بني قريظة نزولا على حكم سعد بن معاذ ، وكانوا قد رضوا حكمه ، ومنّ على واحد منهم ، وفادى بالمال والمسلمين ، وترى أنّ كلّ ذلك قد كان تبعا للمصلحة الحربية ، وقد أرشد الله تعالى في القرآن الكريم إلى أنّ المصلحة الحربية فوق كلّ اعتبار ، انظر إلى قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)) [الأنفال : ٦٧] فقد عاتب الله نبيه على اتخاذ الأسرى قبل أن تقوى شوكة الإسلام ، وقبل أن يتمّ خذلان العدو وقهره.
وقد يكون في إباحة الأسر قبل الغلبة تقوية قلوب الأعداء ، إذ يقولون : ما دمنا سنكون أحياء نأكل ونشرب ، فما لنا نخضع لدعوتهم ، فيستمرّون في مناوشة المسلمين ، ومداومة حربهم كلّ يوم. أما إذا علموا أنّه لا هوادة في الحرب ، وأنهم مقتولون إن لم يؤمنوا ، وأنهم لا ملجأ لهم من الله إلا إليه أسلموا ، وقبلوا الدعوة ، أو أسلموا أمورهم ، وانقادوا ، وذلوا ، فلا يقومون بحرب ، ولا يقلقون راحة المسلمين ، فما لنا لا نوادعهم ، ونأسر منهم ، فنسترقّ ، ونمنّ ، ونفادي ، فانظر عظمة الإسلام ومكارمه.
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ١١٥) ، كتاب السير ، باب الأسارى حديث رقم (١٥٦٨) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٦٨٩) ، ١ ـ كتاب الكفارات ، ١٦ ـ باب النهي عن النذر حديث رقم (٢١٢٤).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ١٣٢) ، كتاب السير ، باب كراهية المقام حديث رقم (١٦٠٤) ، وأبو داود في السنن (٢ / ٣٩٤) ، كتاب الجهاد ، باب النهي حديث رقم (٢٦٤٥).