وقد جاء القرآن بالترخيص في هذا صريحا في الآية التي معنا.
والقول بالنسخ لا حاجة إليه ، وقواعد النسخ تأباه ، إذ النسخ مشروط ـ بعد المعارضة ـ بعدم إمكان الجمع بعد ثبوت التأخر في الناسخ ، والتقدم في المنسوخ.
وحيث إنه لا معارضة فإنّ لنا أن نقول : إنّ آيات القتال كانت في أولئك الذين كانوا حربا على المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وظاهروا على إخراجهم ، وعاهدوا ، ونقضوا عهدهم ، أو نقول : إن المصلحة الحربية والتمكين لقاعدة المسلمين (جزيرة العرب) ألا يبقى فيها دينان ، قضت بالقتل حتى تطهر الجزيرة.
انظر إلى قول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة : ٢٨].
وبعد فإنّا نرى أن يفوّض إلى أهل الذكر والبصر بالحرب أمر الحرب ، ووضع خططها ، والتصرف في الأسرى وغيرهم ، بحسب ما تقضي المصلحة الحربية ، فإن رأوا إبادتهم خيرا أبادوهم ، وإن رأوا استرقاقهم استرقوهم ، وإن رأوا المفاداة بالمال وبالأسرى فعلوا ، فيترك لهم أمر تقدير المصلحة.
وما نحسبنا مخطئين إذا قلنا : إنّ الذي كان من النبي صلىاللهعليهوسلم من الأعمال المختلفة كان نزولا على مقتضى المصلحة ، ولذلك نراه كان يجتهد في تعرّف وجوه المصلحة ، فيستشير أبا بكر وعمر ، ويختلف أبو بكر وعمر ، ويجيء القرآن مؤيدا لأحد الرأيين ، وكذلك نزوله على تحكيم سعد بن معاذ ، ولو كان الأمر أمر خطة مرسومة ، وحدا لا يتخطّى ، لما كان هناك معنى للاستشارة ، ولا للنزول على الرضا بالتحكيم ولما خالف في الحرب الواحدة بين أسير وأسير ، فقتل هذا ومنّ على غيره. فالمصلحة العامة وحدها هي المحكّمة ، وهي الخطة التي تتّبع في الحروب ، خصوصا والحرب مكر وخديعة ، وما دامت مكرا وخديعة فليترك للماكرين وضع خطط المكر والخديعة ، ولا يرسم لهم كيف يمكرون ، وإلا ما كانوا ماكرين.
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣))
إطاعة الله ورسوله امتثال أوامرهما ؛ واجتناب نواهيهما.
وقد نهى الله المؤمنين في الآية الكريمة عن إبطال أعمالهم ، وذلك يدل بظاهره على أنّ من شرع نافلة ، ثم أراد تركها ، ليس له ذلك.
واختلف العلماء :
فذهب الشافعي رحمهالله إلى أنّ له ذلك ، قال الشافعي هو تطوّع : و «المتطوّع