من باب (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [لقمان : ١١] وقيل : بل هو اسم لما يقرأ من الكلام المنزّل إلخ كالقربان اسم لما يتقرّب به ، والمشركون وإن كانوا لا يجهلون أنّه مقروء إلا أنهم كانوا ينازعون في أنه قرآن كريم ، وأيضا كانوا يقولون : هو من عند محمد ، وكانوا ينكرون تنزيله ؛ وأنّ محمدا يتلو عليهم ما سمع من الوحي.
ومعنى كونه كريما : أنّه طاهر الأصل ، ظاهر الفضل ، يجد فيه كلّ الناس ما يريدون من خير : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا أبدا كتاب الله» (١) وقد وصف الله القرآن بأوصاف كثيرة ، وصفه بكونه حكيما ، وبكونه عزيزا ، وبكونه كريما ، وبكونه مجيدا ، وهو كريم ، من أقبل عليه أخذ منه ما أراد ، وهو عزيز من أعرض عنه ذلّ ، وهو حكيم بما اشتمل عليه من كنوز الحكمة ، وهو مجيد بما اشتمل عليه من شريف المقاصد.
وقوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)) أفاد شيئين : الأول : أنه مظروف في كتاب والثاني : أنّه مكنون. فأما ظرفيته في الكتاب فلنا أن نقول : إنّه على حد فلان كريم في نفسه ، حيث لا يراد إنّ المظروف شيء والمظروف فيه شيء آخر ، فإنّ الشيء لا يكون ظرفا لنفسه ، فالقرآن ـ وهو كتاب ـ كريم ، في كتاب أي نفسه ، أو كريم ثبت كرمه في كتاب ، هو اللوح المحفوظ ، أو يقال : إنّ المظروف هو جملة (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)) والمظروف فيه هو كتاب ، ويكون المعنى : إنّ مضمون هذه الجملة ثابت في كتاب هو اللوح المحفوظ ، وقد قيل : الكتاب هو اللوح المحفوظ ، وقيل : هو المصحف ، وقيل : بل هو كتاب من الكتب المنزلة : كالتوراة ، والإنجيل. وأما كونه مكنونا : فالمكنون هو المستور ، فإن كان الكتاب اللوح المحفوظ فمعنى كونه مكنونا أنّه مستور عن الأعين ، لا يطّلع عليه إلا نفر مخصوص من الملائكة ، ويصحّ أن نقول : إن المكنون أريد منه المحفوظ ، ويكون الكن كناية عن الحفظ ، لأنّ الشيء إذا كان شريفا عزيزا لا يكتفى في صونه وحفظه بطرق الحفظ المعتادة ، بل يستر عن العيون ، وكلّما ازدادت عزته ازداد ستره ، زيادة في الصون. فقد استعمل الكن والستر وأريد منه المبالغة في الحفظ والصيانة ، وقيل : إنّ معنى كونه في كتاب مكنون كونه محفوظا من التبديل والتغيير ، فهو على حد قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)) [الحجر : ٩].
وأما قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)) فإما أن نجعله من صفة الكتاب بمعنى اللوح المحفوظ ، وإما أن يكون صفة أخرى للقرآن الكريم.
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٦٢١) ، كتاب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم حديث رقم (٣٧٨٦).