يتخللها يوم يحرم صومه كيوم النحر ، لأنّه لو ابتدأ صوم الشهرين وهو يعلم أنّ يوم النحر سيتخللهما فسد صومه ، لأنّه نيته لصوم الكفارة مع علمه بطروء المبطل تلاعب منه ، فهو كالإحرام بالظهر قبل وقتها ، مع العلم بذلك. ولو ابتدأ صومهما وهو لا يعلم أنّ يوم النحر سيتخللهما صحّ صومه ، لكنّه لا يعتدّ به في الكفارة ، لأنّه قطع التتابع بتقصيره.
أما الإفطار بعذر فقد اختلفت مذاهب الفقهاء فيه ، فذهب الحنفية إلى وجوب الاستئناف لزوال التتابع المشروط ، وهو قادر عليه عادة.
وذهب مالك والشافعي في أحد قوليه إلى أنه لا يقطع التتابع ، لأنّ التتابع لا يزيد على أصل وجوب رمضان ، وهو يسقط بالعذر.
وفرّق بعض العلماء بين العذر الذي يمكن معه الصوم : كالسفر والمرض ، والعذر الذي لا يمكن معه الصوم : كالجنون والإغماء جميع النهار ، فجعل الأول قاطعا للتتابع ، والثاني غير قاطع له.
وأوجبت الآية أن يكون صوم الشهرين المتتابعين قبل المسيس ، وقد رأى بعض الظاهرية أنّ من وطئ قبل أن يصوم شهرين متتابعين أثم بالوطء ، وسقطت عنه الكفارة لفوات وقتها ؛ وعدم التمكن من إيقاع الصيام المتتابع قبل المسيس. كما قالوا ذلك فيمن وطئ قبل العتق ، وقد تقدم. والجواب هنا هو الجواب هناك.
واختلف الفقهاء فيمن وطئ التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا متعمدا ونهارا ناسيا.
فذهب أبو حنيفة ومحمد ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه إلى وجوب استئناف الصوم عملا بظاهر الآية ، فإنها أمر بصيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما. فإذا جامعها في خلال الشهرين لم يأت بالمأمور به.
وذهب أبو يوسف والشافعي وأحمد في رواية أخرى عنه إلى عدم وجوب الاستئناف ، لأنّ هذا الوطء لم يفسد الصوم ، فلم يتخلّل الشهرين إفطار ، فلم ينقطع التتابع ، وليس من شرط التتابع ألا يتخلل الشهرين جماع.
وكما أنّ ظاهر الآية وجوب صوم شهرين متتابعين لا مسيس فيهما ، كذلك ظاهرها وجوب صوم شهرين متتابعين لا مسيس قبلهما ، فلو كان الواطئ في خلالهما غير آت بالمأمور به ، لكان الوطئ قبلهما غير آت بالمأمور به ، ولفات الامتثال بالوطء قبلهما ، ولا قائل به غير أهل الظاهر ، فوجب حينئذ حمل قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) على تحريم المسيس قبل أن يتمّ صيام الشهرين المتتابعين ، لا على أنّ عدم المسيس شرط في الاعتداد بالصوم.