الخلاف فيهم في سورة الأنفال ، فلا نعيده ، وكذا بيان اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، فارجع إليه إن شئت.
هذا وممّن قال بأن الفيء كلّه للرسول صلىاللهعليهوسلم في حياته الإمام الغزالي رضي الله عنه ، وممن ذهب إلى أنّ الفيء يصرف مصرف الغنيمة الإمام الزمخشري (١) رضي الله عنه ، فقد جعل آية الحشر الثانية بيانا للآية الأولى ، مستدلا بترك العطف على ما مرّ. وذهب أيضا إلى أنّ المراد بأهل القرى ، هو المراد بالضمير في بني النضير في (مِنْهُمْ) وهم بنو النضير.
وذهب المحقق ابن عطية إلى أنّ الآية الأولى في بني النضير خاصة. وإلى أنّ الفيء فيها للرسول صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وأما الآية الثانية فالمراد من أهل القرى فيها غير بني النضير ، وهم أهل الصفراء وينبع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب التي تسمّى قرى عرينة ، والحكم في أموال هؤلاء هو ما قال الله : إنها (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى).
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) الدولة بضم الدال وفتحها ما يدول ويدور للإنسان من الغنى والغلبة ، وفرّق بعضهم بين مضموم الدال ومفتوحها ، فقالوا : إنّها بضم الدال ما يدول للإنسان من المال ، وبفتحها ما يكون له من النصر.
وقال بعضهم : هي بالضم اسم لما يتداول ، وبالفتح مصدر بمعنى التداول ، وقال بعضهم : بل هما لفظان لمعنى واحد.
والجملة بعد هذا تعليل لتقسيم الفيء ، والضمير في يكون للفيء. والمعنى. أنا قسمنا الفيء هذا التقسيم كي لا يختص به الأغنياء ، أو كي لا يكون دولة وغلبة جاهلية بينكم ، كما كان الأغنياء منهم يستأثرون بالغنيمة ، وكانوا يعتزّون به.
(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
ذهب بعض المفسرين إلى أنّ معنى (آتاكم) أعطاكم من الفيء ، وأنّ ما نهاكم أي عن أخذه ، فانتهوا عن أخذه ، وكأنّه يستعين على ذلك بالمقام.
وذهب بعضهم إلى أنّها في كلّ ما أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم به ونهى عنه ، وفي جملة ذلك الفيء استدلالا بما في الآية من ألفاظ العموم ، ولأنّه قال بعدها : (وَاتَّقُوا اللهَ) حيث يتناول كل ما يجب فيه التقوى.
والآية بعد هذا توجب امتثال أوامر الرسول صلىاللهعليهوسلم ونواهيه أيضا ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر تفسير الكشاف للزمخشري (٤ / ٥٠٢).