المراد إذا جاءكم النساء اللائي يظهرن الإيمان ، وإنما كان هذا هو المراد لأنّ الله تعالى يقول : (فَامْتَحِنُوهُنَ) ثم قال : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) فدل ذلك على أنّ الغرض من الامتحان علم إيمانهن ، وقوله تعالى : (مُهاجِراتٍ) منصوب على الحالية ، وجيء به بعد قوله تعالى : (إِذا جاءَكُمُ) لبيان العلة في عدم إرجاعهن ، إذ هنّ ما هجرن مكة وانتقلن منها إلا حبا في الله ، وفرارا بدينهن من أذى الكفار ، وهنّ الضعيفات اللاتي لا جلد لهنّ على الإيذاء ، فإذا قضى نصّ العهد أن يبقي الرجال ، فهم يتحمّلون الأذى ، أما هؤلاء اللاتي اضطررن إلى الهجرة ، فكيف يلزمهنّ البقاء ، وهنّ لا يستطعن حماية أنفسهنّ (فَامْتَحِنُوهُنَ) فاختبروهن بما ترونه موصلا إلى غلبة الظن بإيمانهنّ.
وقد روي عن ابن عباس في كيفية امتحانهن أنه قال : كانت المرأة إذا جاءت النبيّ صلىاللهعليهوسلم حلّفها عمر رضي الله عنه بالله بأنها ما خرجت رغبة بأرض عن أرض ، وبالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وعن ابن عباس أيضا أنّ امتحانهنّ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر عمر بن الخطاب فقال : قل لهن إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بايعكن على ألا تشركن بالله شيئا إلخ ما في الآية الآتية ، وسيأتي أنّ آية مبايعة النساء لها سبب غير هذا.
وقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) جملة اعتراضية جيء بها لإفادة أنّ الامتحان الغرض منه الوصول إلى غلبة الظن ، وإلا فالحقيقة لا يعلمها على ما هي عليه إلا الله وحده سبحانه ، فإنه المطلع على ما في القلوب ، يعلم السرّ وأخفى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أي فإن تبيّن بعد الامتحان إيمانهنّ ، وغلب على ظنكم هذا ، فلا ترجعوهنّ إلى أزواجهنّ الكفار ، وإنما أقحمنا لفظ الأزواج أخذا من قوله بعد : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) فإنّه استئناف قصد منه بيان علّة النهي عن إرجاعهن إلى الكفار ، وجملة (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ) أفاد الفرقة ، وتحقيق زوال النكاح الأول على الثبوت والاستقرار ، والجملة الثانية : (وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) أفادت أنّ النكاح في المستقبل لا يستأنف للكفار ، (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أي أعطوا أزواجهنّ مثل ما أنفقوا عليهن من المهر ، وقد قيل : إنّ ذلك واجب ، وقيل : إنّه مندوب ، وقد فعل ذلك في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقد روي أنّ ربيعة الأسلمية لما جاءت تزوجها عمر ، وأعطى زوجها ما أنفق. وقيل : إنّ هذا الحكم غير باق ، لأنّ ذلك كان في المهاجرات ، وقد ذهبت الهجرة «ولا هجرة بعد الفتح» على أنك قد سمعت ما روي من أنّ العهد كان فيه نصّ جاءت الآية مقرّرة له ، وقد انتهى العهد بما فيه ، فلا بقاء لهذا الحكم الآن.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي إنه لا تثريب عليكم في نكاحهن