ردّ» قالوا : وهذا صريح في أنّ هذا الطلاق المحرم الذي ليس عليه أمره صلىاللهعليهوسلم مردود وباطل. قالوا : وإذا كان النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي ، فما الفرق بينه وبين الطلاق؟ وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح ، وصححتم ما حرّمه ونهى عنه من الطلاق؟ وليس لكم متمسك في ذلك إلا رواية عن ابن عمر قد خالفها ما هو مثلها أو أحسن منها عن ابن عمر أيضا ، فقد أخرج أبو داود (١) عن أبي الزبير أنّه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر ، قال أبو الزبير : وأنا أسمع : كيف ترى في رجل طلّق امرأته حائضا فقال : طلّق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ عبد الله بن عمر طلّق امرأته وهي حائض. قال عبد الله : فردها عليّ ولم يرها شيئا. وليست رواية نافع عن ابن عمر : «مره فليراجعها» (٢) بأصحّ من رواية أبي الزبير عنه : «فردها عليّ ولم يرها شيئا». وحينئذ يتعيّن الجمع بينهما بحمل المراجعة في قوله : «مره فليراجعها» على الارتجاع والرد إلى حالة الاجتماع كما كانا من قبل ، وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق البتة.
وأجاب الجمهور عن ذلك بأنّ الاستدلال بالآية على عدم وقوع الطلاق في الحيض موقوف على أنّ النهي عن الشيء يقتضي الفساد ، وهي مسألة أصولية كثرت فيها المذاهب والآراء ، وصحّح الحنفية منها أنه لا يقتضي الفساد مطلقا. وقال الشافعية : إنّه يدلّ على الفساد في العبادات وفي المعاملات إذا رجع إلى نفس العقد ، أو إلى أمر داخل فيه ، أو لازم له.
فإن رجع إلى أمر مقارن كالبيع وقت نداء الجمعة ، فلا يدل على الفساد ، والنهي فيما نحن فيه لأمر مقارن ، وهو زمان الحيض ، فهو عندهم لا يدل على الفساد أيضا.
وأيّد ذلك بأمر ابن عمر بالرجعة ، إذ لو لم يقع الطلاق لم يؤمر بها ، وقد قال الله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] وهذا يعمّ كلّ طلاق. وكذلك قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] وقوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) [البقرة : ٢٢٩] وقوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ) [البقرة : ٢٤١] وهذه كلها عمومات لا يجوز تخصيصها إلا بنص أو إجماع ، والمطلقة في الحيض داخلة في هذه العمومات.
وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ» فما أصحه وما أبعده
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٢٢٨) ، كتاب الطلاق ، باب في طلاق السنة حديث رقم (٢١٨٥).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٩٣) ، ١٨ ـ كتاب الطلاق ، ١ ـ باب تحريم طلاق الحائض حديث رقم (١ / ١٤٧١) ، والبخاري في الصحيح (٦ / ١٩٩) ، ٦٨ ـ كتاب الطلاق ، ١ ـ باب قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) حديث رقم (٥٢٥١).