قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) قيل في سبب نزولها : إن اليهود قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى صلىاللهعليهوسلم ونظر إليه فقال لم ينظر موسى إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى :
(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام كما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح ولده وهو وحي وكما ألهمت أم موسى أن تقذفه في البحر (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي يسمعه كلامه من وراء حجاب ولا يراه كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) يعني من الملائكة إما جبريل أو غيره (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) يعني يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب في الدنيا ويأتي بيان هذه المسألة إن شاء الله تعالى في سورة النجم (إِنَّهُ عَلِيٌ) أي عن صفات المخلوقين (حَكِيمٌ) أي في جميع أفعاله.
قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ) أي وكما أوحينا إلى سائر رسلنا (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) قال ابن عباس : نبوة ، وقيل : قرآنا لأن به حياة الأرواح ، وقيل : رحمة وقيل جبريل (ما كُنْتَ تَدْرِي) أي قبل الوحي (مَا الْكِتابُ) يعني القرآن (وَلَا الْإِيمانُ) اختلف العلماء في هذه الآية مع اتفاقهم على أن الأنبياء قبل النبوة كانوا مؤمنين فقيل معناه ما كنت تدري قبل الوحي شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال محمد بن إسحاق عن ابن خزيمة الإيمان في هذا الموضع الصلاة دليله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) يعني صلاتكم ولم يرد به الإيمان الذي هو الإقرار بالله تعالى لأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان قبل النبوة يوحد الله تعالى ويحج ويعتمر ويبغض اللات والعزى ولا يأكل ما ذبح على النصب وكان يتعبد على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولم تتبين له شرائع دينه إلا بعد الوحي إليه (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) قال ابن عباس يعني الإيمان وقيل القرآن لأنه يهتدي به من الضلالة وهو قوله تعالى : (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) أي لتدعو (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني إلى دين الإسلام.
(صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))
(صِراطِ اللهِ) يعني دين الله الذي شرعه لعباده (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) يعني أمور الخلائق في الآخرة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.