جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ) أي قبل هؤلاء (قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) يعني على الله وهو موسى بن عمران عليهالسلام (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) يعني أطلقوا إلي بني إسرائيل ولا تعذبوهم (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) يعني على الوحي (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) يعني لا تتجبروا عليه بترك طاعته (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) يعني ببرهان بيّن على صدق قولي فلما قال ذلك توعده بالقتل فقال (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) أن تقتلون وقال ابن عباس : تشتمون وتقولوا هو ساحر وقيل ترجموني بالحجارة (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي فاتركون لا معي ولا عليّ ، وقال ابن عباس : اعتزلوا أذاي باليد واللسان فلم يؤمنوا (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) أي مشركون (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) أي أجاب الله دعاءه وأمره أن يسري ببني إسرائيل بالليل (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي يتبعكم فرعون وقومه (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ) أي إذا قطعته أنت وأصحابك (رَهْواً) أي ساكنا والمعنى لا تأمره أن يرجع بل اتركه على حالته حتى يدخله فرعون وقومه ، وقيل اتركه طريقا يابسا وذلك أنه لما قطع موسى البحر رجع ليضربه بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون بجنوده فقيل لموسى اترك البحر كما هو (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) يعني أخبر موسى بإغراقهم ليطمئن قلبه في تركه البحر كما هو (كَمْ تَرَكُوا) أي بعد الغرق (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي مجلس شريف حسن (وَنَعْمَةٍ) أي وعيش لين رغد (كانُوا فِيها) أي في تلك النعمة (فاكِهِينَ) أي ناعمين وقرئ فكهين أي أشرين بطرين.
(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧))
(كَذلِكَ) أي أفعل بمن عصاني (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) يعني بني إسرائيل (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح فتبكي السماء على فقده ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه.
عن أنس بن مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «ما من مؤمن إلا وله بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه» فذلك قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أخرجه الترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، قيل : بكاء السماء حمرة أطرافها ، وقال مجاهد : ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا فقيل : أو تبكي ، فقال : وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل وقيل المراد أهل السماء وأهل الأرض (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي لم يمهلوا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها قوله عزوجل : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي من قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً) أي جبارا (مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ) أي علمه الله تعالى فيهم (عَلَى الْعالَمِينَ) أي عالمي زمانهم (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) أي نعمة بينة من فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى والنعم التي أنعمنا بها عليهم وقيل ابتلاؤهم بالرخاء والشدة (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني