همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلىاللهعليهوسلم يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقيل : هو مأخوذ من الغين وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكان هذا الشغل والهم يغشى قلبه صلىاللهعليهوسلم ويغطيه عن غيره فكان يستغفر الله منه وقيل هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه صلىاللهعليهوسلم وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى.
وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عياض ، أن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلىاللهعليهوسلم الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه وحكى الوجوه المتقدمة عنه. وعن غيره. وقال الحارث المحاسبي : خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإجلال وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى. وقيل : يحتمل أن هذا الغبن حالة حسنة وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرا كما قال : أفلا أكون عبدا شكورا. وقيل في معنى الآية : استغفر لذنبك أي لذنوب أهل بيتك (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) يعني من غير أهل بيته وهذا إكرام من الله عزوجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم يعني متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم يعني مصيركم إلى الجنة أو إلى النار وقيل : متقلبكم في أشغالكم بالنهار ومثواكم بالليل إلى مضاجعكم وقيل : متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبطونهن ومثواكم في الدنيا وفي القبور والمعنى أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها وإن دق وخفي.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) وذلك أن المؤمنين كانوا حراصا على الجهاد في سبيل الله فقالوا : فهلا أنزلت سورة تأمرنا بالجهاد؟ لكي نجاهد (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) قال مجاهد : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني نفاقا وهم المنافقون (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) يعني شزرا وكراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) يعني كما ينظر الشاخص بصره عند معاينة الموت (فَأَوْلى لَهُمْ) فيه وعيد وتهديد وهو معنى قولهم في التهديد وليك وقاربك ما تكره وتم الكلام عند هذا.
ثم ابتدأ بقوله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) فعلى هذا هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره طاعة وقول معروف أمثل لهم وأولى بهم.
والمعنى : لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن. وقيل : هو متصل بما قبله واللام في لهم بمعنى الباء مجازة فأولى بهم طاعة الله وطاعة رسوله وقول معروف بالإجابة والمعنى لو أطاعوا وأجابوا لكانت الطاعة والإجابة أولى بهم وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء عنه (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) فيه حذف تقديره فإذا عزم صاحب الأمر وقيل : هو على أصله ومجازه كقولنا : جاء الأمر ودنا الوقت وهذا أمر متوقع. ومعنى الآية : فإذا عزم الأمر خالف المنافقون وكذبوا فيما وعدوا به (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) يعني الصدق وقيل : معناه لو صدقوا الله في إظهار الإيمان والطاعة لكان ذلك خيرا لهم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) أي فلعلكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يعني أعرضتم