وقوله تعالى : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) يعني خيبر.
(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠))
(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) يعني من أموال أهل خيبر وكانت خيبر ذات نخيل وعقار وأموال فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهم (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) يعني منيعا كامل العزة غنيا عن إعانتكم (حَكِيماً) حيث حكم لكم بالغنائم ولأعدائكم بالهلاك على أيديكم.
قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) يعني المغانم التي تغنمونها من الفتوحات التي تفتح لكم إلى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) يعني مغانم خيبر وفيه إشارة إلى كثرة الفتوحات والغنائم التي يعطيهم الله عزوجل في المستقبل وإنما عجل لهم هذه كعجالة الراكب أعجلها الله لكم وهي في جنب ما وعدكم الله به من الغنائم كالقليل من الكثير (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها ، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة ، فكف الله عزوجل أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وقيل : المعنى إن الله عزوجل كف أيدي أهل مكة بالصلح عنكم لتمام المنّة عليكم (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) هو عطف على ما تقدم تقديره ، فعجل لكم الغنائم لتنتفعوا بها ، ولتكون آية للمؤمنين. يعني : ولتحصل من بعدكم آية تدلهم على أن ما وهبكم الله يحصل مثله لهم. وقيل : لتكون آية للمؤمنين دالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم في إخباره عن الغيوب ، فيزدادوا يقينا إلى يقينهم ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) يعني ويهديكم إلى دين الإسلام ويثبتكم عليه ويزيدكم بصيرة ويقينا بصلح الحديبية وفتح خيبر.
(ذكر غزوة خيبر)
وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع (ق). عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم. وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم. قال : فخرجنا إلى خيبر فلما انتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبي صلىاللهعليهوسلم قال فخرجوا علينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا محمد والخميس فلما رآهم النبي صلىاللهعليهوسلم قال «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (م) عن سلمة بن الأركع قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم :
تالله لو لا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلينا |
ونحن عن فضلك ما استغنينا |
|
فثبت الأقدام إن لاقينا |
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من هذا؟» قال : أنا عامر. قال : «غفر لك ربك» قال : وما استغفر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لإنسان يخصه إلا استشهد. قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له : يا نبي الله لو لا متعتنا بعامر. قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب |
|
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الحروب أقبلت تلتهب