ومرة معلم مجنون ويقولون في القرآن مرة سحر ومرة رجز ومرة مفتري فكان أمرهم مختلطا ملتبسا عليهم وقيل في هذه الآية من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه وقيل ما ترك قوم الحق إلا مرج عليهم أمرهم ؛ ثم دلهم على عظيم قدرته فقال تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) أي : بغير عمد (وَزَيَّنَّاها) أي بالكواكب (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي : شقوق وصدوع (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي بسطناها على وجه الماء (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي : جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي : من كل صنف حسن كريم يبتهج به أي : يسر به (تَبْصِرَةً) أي جعلنا ذلك تبصرة (وَذِكْرى) أي تذكرة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي : راجع إلى الله تعالى والمعنى ليتبصر ويتذكر به من أناب (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) أي كثير الخير والبركة فيه حياة كل شيء وهو المطر (فَأَنْبَتْنا بِهِ) أي : بذلك الماء (جَنَّاتٍ) أي بساتين (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) أي : طوالا وقيل مستويات (لَها طَلْعٌ) أي : ثمر يطلع ويظهر ويسمى طلعا قبل أن يتشقق (نَضِيدٌ) أي : متراكب بعضه على بعض في أكمامه فإذا تشقق وخرج من أكمامه فليس بنضيد (رِزْقاً) أي : جعلنا ذلك رزقا (لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ) أي : بالمطر (بَلْدَةً مَيْتاً) فأنبتنا فيها الكلأ والعشب (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) أي : من القبور أحياء بعد الموت. قوله تعالى :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قيل : كان لوط مرسلا إلى طائفة من قوم إبراهيم ولذلك قال إخوان لوط (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) هو أبو كرب أسعد تبع الحميري وقد تقدم قصص جمعهم قيل ذم الله عزوجل قوم تبع ولم يذمه وذم فرعون لأنه هو المكذب المستخف لقومه فلهذا خص بالذكر دونهم (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) أي : كل هؤلاء المذكورين كذبوا رسلهم فحق وعيدي أي وجب لهم عذابي وقيل فحق وعيدي للرسل بالنصر (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) هذا جواب لقولهم ذلك رجع بعيد والمعنى أعجزنا حين خلقناهم أولا فنعيا بالإعادة ثانيا وذلك لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أي شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو البعث.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي ما يحدث به قلبه فلا تخفى علينا سرائره وضمائره (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) بيان لكمال علمه أي نحن أعلم به منه والوليد العرق الذي يجري فيه الدم ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن وهو بين الحلقوم والعلباوين ومعنى الآية أن أجزاء الإنسان وأبعاضه يحجب بعضها بعضا ولا يحجب عن علم الله شيء. وقيل : يحتمل أن يكون المعنى ونحن أقرب إليه بنفوذ قدرتنا فيه ويجري فيه أمرنا كما يجري الدم في عروقه (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) أي يتلقن الملكان الموكلان به وبعمله ومنطقه فيكتبانه ويحفظانه عليه (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) يعني أن أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فصاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات (قَعِيدٌ) أي قاعد وكل واحد منهما قعيد فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر. وقيل : أراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) أي ما يتكلم من كلام يخرج من فيه (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) أي حافظ (عَتِيدٌ) أي حاضر أينما كان سوى وقت الغائط وعند جماعة فإنهما يتأخران عنه فلا يجوز للإنسان أن يتكلم في هاتين الحالتين حتى لا يؤذي الملائكة بدنوهما منه وهو على تلك