يجمع لعبده المؤمن من ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه فيدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمله من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئا وذلك قوله تعالى : (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يعني : وما نقصنا الآباء من أعمالهم شيئا عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ثم قرأ والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم إلى آخر الآية.
عن علي قال : «سألت خديجة النبي صلىاللهعليهوسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هما في النار فلما رأى الكراهية في وجهها قال : لو رأيت مكانهما لأبغضتهما قالت يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فولدي منك قال : في الجنة ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ النبي صلىاللهعليهوسلم والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم» أخرج هذين الحديثين البغوي بإسناد الثعلبي.
(كُلُّ امْرِئٍ) أي كافر (بِما كَسَبَ) أي عمل من الشرك (رَهِينٌ) أي مرتهن بعمله في النار والمؤمن لا يكون مرتهنا بعمله لقوله «كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين» ثم ذكر ما وعدهم به من الخير والنعمة فقال تعالى :
(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣))
(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) يعني زيادة عما كان لهم (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي من أنواع اللحوم (يَتَنازَعُونَ) أي يتعاطون ويتناولون (فِيها) أي في الجنة (كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها) أي لا باطل فيها ولا رفث ولا تخاصم ولا تذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا (وَلا تَأْثِيمٌ) أي لا يكون فيها ما يؤثمهم ولا يجري بينهم ما فيه لغو وإثم كما يجري بين شربة الخمر في الدنيا. وقيل : لا يأثمون في شربها.
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي للخدمة (غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) أي في الحسن والبياض والصفاء (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) أي مخزون مصون لم تمسه الأيدي وقال عبد الله بن عمرو ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام كل واحد منهم على عمل غير عمل صاحبه وعن قتادة قال : «ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم؟ قال : فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يعني يسأل بعضهم بعضا في الجنة قال ابن عباس : يتذاكرون ما كانوا فيه من الخوف والتعب في الدنيا (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا) أي في الدنيا (مُشْفِقِينَ) أي خائفين من العذاب (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أي بالمغفرة (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) يعني عذاب النار وقيل : هو اسم من أسماء جهنم (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي في الدنيا (نَدْعُوهُ) أي نخلص الدعاء والعبادة له (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) قال ابن عباس : اللطيف وقيل : يعني الصادق فيما وعد. وقيل : البر العطوف على عباده المحسن إليهم الذي عم بره جميع خلقه (الرَّحِيمُ) بعبيده.
قوله عزوجل : (فَذَكِّرْ) يعني فعظ يا محمد بالقرآن كفار مكة (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي برحمته وعصمته وقيل : بإنعامه عليك بالنبوة (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) الكاهن هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويخبر بما في غد من غير وحي والمعنى أنك لست كما يقول كفار مكة إنه كاهن أو مجنون إنما تنطلق بالوحي نزلت في الذين اقتسموا أعقاب مكة يرمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكهانة والسحر والشعر والجنون (أَمْ يَقُولُونَ) يعني هؤلاء المقتسمين