والثمار من جميع الألوان ولو أن ورقة وضعت منها في الأرض لأضاءت لأهل الأرض وهي شجرة طوبى التي ذكرها الله في سورة الرعد (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) قال ابن عباس : جنة المأوى يأوي إليها جبريل والملائكة وقيل : يأوي إليها أرواح الشهداء (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) قال ابن مسعود : فراش من ذهب وقيل : يغشاها ملائكة أمثال الغربان. وقيل : أمثال الطيور حتى يقعن عليها. وقيل : غشيها نور الخلاق وغشيتها الملائكة من حب الله تعالى أمثال الغربان حتى يقعن عليها وقيل : هو نور رب العزة ويروى في الحديث قال : رأيت على كل ورقة منها ملكا قائما يسبح الله عزوجل :
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩))
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) يعني ما مال بصر النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك المقام وفي تلك الحضرة المقدسة الشريفة يمينا وشمالا ولا جاوز ما رأى وقيل : ما أمر به وهذا وصف أدبه صلىاللهعليهوسلم في ذلك المقام الشريف إذ لم يلتفت إلى شيء سوى ما أمر به.
وفي معنى الآية إن قلنا إن الذي يغشى السدرة فراش من ذهب أي لم يلتفت إليه ولم يشتغل به وفيه بيان أدبه صلىاللهعليهوسلم إذ لم يقطع بصره عن المقصود وإن قلنا الذي يغشى السدرة هو نور رب العزة ففيه وجهان :
أحدهما : أنه صلىاللهعليهوسلم لم يلتفت عنه يمنة ولا يسرة ولا يشتغل بغير مطالعة ذلك النور.
الوجه الثاني : ما زاغ البصر بصعقة ولا غشية كما أخبر عن موسى بقوله «وخر موسى صعقا» وذلك أنه لما تجلى رب العزة وظهر نوره على الجبل قطع نظره وغشي عليه ونبينا صلىاللهعليهوسلم ثبت في ذلك المقام العظيم الذي تحار فيه العقول وتزل فيه الأقدام وتميل فيه الأبصار فوصف الله عزوجل قوة نبينا صلىاللهعليهوسلم في ذلك المقام العظيم بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى.
وقوله تعالى : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) يعني رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الآيات العظام وقيل : أراد ما رأى تلك الليلة في مسيره ورجوعه وقيل : معناه لقد رأى من آيات ربه الآيات الكبرى (م) عن عبد الله بن مسعود قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى. قال : رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح (خ) عنه قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء.
(فصل من كلام الشيخ محيي الدين النووي في معنى قوله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) وهل رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ربه عزوجل ليلة الإسراء)
قال القاضي عياض اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا صلىاللهعليهوسلم ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة كما وقع في صحيح مسلم. وجاء مثله عن أبي هريرة وجماعة وهو المشهور عن ابن مسعود وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين.
وروي عن ابن عباس أنه رآه بعينه ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك وحكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال : ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز ورؤية الله عزوجل في الدنيا جائزة وسؤال موسى إياها دليل على جوازها إذ لا يجهل نبي ما يجوز أن يمتنع على ربه. واختلفوا في أن نبينا صلىاللهعليهوسلم هل كلم ربه ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا ، فحكي عن الأشعري وقوم من المتكلمين أنه كلمه. وعزا بعضهم هذا القول إلى جعفر بن محمد وابن مسعود وابن عباس وكذلك اختلفوا في قوله : ثم دنا فتدلى فالأكثر على أن هذا