النادر. ومما هو مشاهد معتاد أن كسوف القمر وغيره مما يحدث في السماء في الليل من العجائب والأنوار والطوالع والشهب العظام ونحو ذلك يقع ولا يتحدث به إلا آحاد الناس ولا علم عند غيرهم بذلك لما ذكرناه من غفلة الناس. وكان هذا الانشقاق آية عظيمة حصلت في الليل لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها ، فلم يتأهب غيرهم لها. قال العلماء : وقد يكون القمر حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عن قوم وكما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد والله أعلم وقيل في معنى الآية ينشق القمر يوم القيامة وهذا قول باطل لا يصح وشاذ لا يثبت لإجماع المفسرين على خلافه ولأن الله ذكره بلفظ الماضي وحمل الماضي على المستقبل بعيد يفتقر إلى قرينة تنقله أو دليل يدل عليه وفي قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا) دليل على وجود هذه الآية العظيمة وقد كان ذلك في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمعنى : وإن يروا آية أي تدل على صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالآية هنا انشقاق القمر يعرضوا أي عن التصديق بها (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي دائم مضطرد.
وكل شيء دام حاله قيل فيه : مستمر.
وذلك لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات فقالوا هذا سحر مستمر : وقيل مستمر أي قوي محكم شديد بعلوه يعلو كل سحر.
قيل : مستمر أي ذاهب سوف يبطل ويذهب ولا يبقى وإنما قالوا ذلك تمنية لأنفسهم وتعليلا (وَكَذَّبُوا) يعني النبي صلىاللهعليهوسلم وما عاينوا من قدرة الله (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أي ما زين لهم الشيطان من الباطل وقيل : هو قولهم إنه سحر القمر (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أي لكل أمر حقيقة فما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف. وقيل : كل أمر مستقر. فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار ، وقيل : يستقر قول المصدقين والمكذبين حين يعرفون حقيقته بالثواب أو العقاب. وقيل : معناه لكل حديث منتهى. وقيل : ما قدر فهو كائن وواقع لا محالة. وقيل : هو جواب قولهم سحر مستمر يعني ليس أمره بذاهب كما زعمتم بل كل أمر من أموره مستقر وإن أمر محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم سيظهر إلى غاية يتبين فيها أنه حق.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧))
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) يعني أهل مكة (مِنَ الْأَنْباءِ) أي من أخبار الأمم الماضية المكذبة في القرآن (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي منتهى وموعظة (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) يعني أي غنى تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي أعرض عنهم نسختها آية القتال (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) أي اذكر يا محمد يوم يدع الداعي وهو إسرافيل ينفخ في الصور قائما على صخرة بيت المقدس (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي منكر فظيع لم يروا مثله ، فينكرونه استعظاما له (خُشَّعاً) وقرئ خاشعا (أَبْصارُهُمْ) أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) يعني من القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) مثل في كثرتهم وتموج بعضهم في بعض حيارى فزعين.
(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤))