الخطاب «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ للفقراء المهاجرين إلى قوله والذين جاءوا من بعدهم» ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة قال وما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم (كَيْ لا يَكُونَ) الفيء (دُولَةً) والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) يعني بين الرؤساء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع ثم يصطفي بعده ما شاء فجعله الله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسمه فيما أمره به (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) أي من مال الفيء والغنيمة (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) أي من الغلول وغيره (فَانْتَهُوا) وهذا نازل في أموال الفيء وهو عام في كل ما أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم أو نهي عنه من قول أو عمل من واجب أو مندوب أو مستحب أو نهى عن محرم فيدخل فيه الفيء وغيره (ق) عن عبد الله بن مسعود أنه قال «لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا وذكرته فقال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت المرأة لقد قرأت لوحي المصحف فما وجدته فقال إن كنت قرأته لقد وجدته قال الله عزوجل : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الوشم هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة ثم يحشى بكحل والمستوشمة هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنامصة هي التي تنتف الشعر من الوجه والمتفلجة هي التي تتكلف تفريج ما بين ثناياها بصناعة وقيل هي التي تتفلج في مشيتها فكل ذلك منهي عنه (ق) عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» عن أبي رافع أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به ونهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه» أخرجه أبو داود والترمذي.
وقال هذا حديث حسن الأريكة كل ما أتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة أو نحو ذلك (وَاتَّقُوا اللهَ) أي في أمر الفيء (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي على ترك ما أمركم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو نهاكم عنه ثم بين من له الحق في الفيء فقال عزوجل :
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨))
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) يعني ألجأهم كفار مكة إلى الخروج (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي رزقا وقيل ثوابا من الله (وَرِضْواناً) أي أخرجوا من ديارهم طلبا لرضا الله عزوجل : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي بأنفسهم وأموالهم والمراد بنصر الله نصر دينه وإعلاء كلمته (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي في إيمانهم قال قتادة المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبا لله ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا» وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أبشروا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة» أخرجه أبو داود.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩))