وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي إنه أتقن وأحكم صوركم على وجه لا يوجد مثله في الحسن والمنظر من حسن القامة والمناسبة في الأعضاء وقد علم بهذا أن صورة الإنسان أحسن صورة وأكملها (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي المرجع في القيامة (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) معناه أنه لا تخفى عليه خافية فاستوى في علمه الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يخاطب كفار مكة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) يعني خبر الأمم الخالية (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي جزاء أعمالهم وهو ما لحقهم من العذاب في الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي في الآخرة (ذلِكَ) أي الذي نزل بهم من العذاب (بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) معناه أنهم أنكروا أن يكون الرسول بشرا وذلك لقلة عقولهم وسخافة أحلامهم ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجرا (فَكَفَرُوا) أي جحدوا وأنكروا (وَتَوَلَّوْا) أي أعرضوا (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أي عن إيمانهم وعبادتهم (وَاللهُ غَنِيٌ) أي عن خلقه (حَمِيدٌ) أي في أفعاله ثم أخبر الله تعالى عن إنكارهم البعث فقال تعالى :
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣))
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ) أي قل لهم يا محمد (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) أي يوم القيامة (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَ) أي لتخبرن (بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي أمر البعث والحساب يوم القيامة (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لما ذكر حال الأمم الماضية المكذبة وما نزل بهم من العذاب قال فآمنوا أنتم بالله ورسوله لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) يعني القرآن سماه نورا لأنه يهتدى به في ظلمات الضلال كما يهتدى بالنور في الظلمة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يعني أنه مطلع عليكم عالم بأحوالكم جميعا فراقبوه وخافوه.
قوله عزوجل : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) يعني يوم القيامة يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات وأهل الأرضين (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) من الغبن وهو فوت الحظ والمراد في المجازاة والتجارة وذلك أنه إذا أخذ الشيء بدون قيمته فقد غبن والمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة وذلك لأن كل كافر له أهل ومنزل في الجنة لو أسلم فيظهر يومئذ غبن كل كافر يتركه الإيمان ويظهر غبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وقيل إن قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة ينعمون فلا غبن أعظم من هذا وقل هو غبن المظلوم للظالم لأن المظلوم مغبون في الدنيا فصار في الآخرة غابنا لظالمه وأصل الغبن في البيع والشراء وقد ذكر الله في حق الكافرين «انهم خسروا وغبنوا في شرائهم فقال تعالى : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) وقال في حق المؤمنين (هَلْ