الولد ورضاعه (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) أي في حق الولد وأجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه بل يستأجر للصبي مرضعا غير أمه وذلك قوله : (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) أي على قدر غناه (وَمَنْ قُدِرَ) أي ضيق (عَلَيْهِ رِزْقُهُ) فكان بمقدار القوت (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي على قدر ما آتاه الله من المال (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) أي في النفقة (إِلَّا ما آتاها) يعني من المال والمعنى لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني في النفقة (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة. قوله تعالى :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ) أي عصت وطغت والمراد أهل القرية (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) أي وأمر رسله (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) أي بالمناقشة والاستقصاء وقيل حاسبها بعملها في الكفر فجزاها النار وهو قوله (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) أي منكرا فظيعا وقيل في الآية تقديم وتأخير مجازها فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر أنواع البلاء وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي شدة أمرها وجزاء كفرها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي خسرانا في الدنيا والآخرة (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) يخوف كفار مكة أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأمم الماضية (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا ذوي العقول ثم نعتهم فقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) يعني القرآن (رَسُولاً) أي وأرسل إليكم رسولا (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) قرئ مبينات بالخفض أي تبين الحلال من الحرام والأمر والنهي وقرئ بالنصب ومعناه أنها واضحات (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) يعني الجنة التي لا ينقطع نعيمها وقيل يرزقون طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) يعني بعضها فوق بعض (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أي في العدد (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) أي الوحي إلى خلقه من السماء العليا إلى الأرض السفلى وقيل هو ما يدبر فيهن من عجائب تدبيره ينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار وبالصيف والشتاء ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاته وينقله من حال إلى حال فيحكم بحياة بعض وموت بعض وسلامة هذا وهلاك هذا ، وقيل في كل سماء من سماواته وأرض من أرضيه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية وأنه قادر على الإنشاء بعد الإفناء وكل الكائنات جارية تحت قدرته داخلة في علمه والله تعالى أعلم.