التفسير يكون معنى طرائق قددا أي سنصير طرائق قددا وهو بيان للقسمة المذكورة أي كنا ذوي مذاهب مختلفة متفرقة ، وقيل معناه كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة (وَأَنَّا ظَنَنَّا) الظن هنا بمعنى العلم واليقين أي علمنا وأيقنا (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) أي لن نفوته إن أراد بنا أمرا (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) أي إن طلبنا فلن نعجزه أينما كنا (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) أي لما سمعنا القرآن آمنا به وبمحمد صلىاللهعليهوسلم (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) أي نقصانا من عمله وثوابه (وَلا رَهَقاً) يعني ظلما وقيل مكروها يغشاه (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) وهم الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي الجائرون العادلون عن الحق ، قال ابن عباس وهم الذين جعلوا لله أندادا (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) أي قصدوا طريق الله وتوخوه (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ) يعني الذين كفروا (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) يعني وقودا للنار يوم القيامة.
فإن قلت قد يتمسك بظاهر هذه الآية من لا يرى لمؤمني الجن ثوابا وذلك لأن الله تعالى ذكر عقاب الكافرين منهم ولم يذكر ثواب المؤمنين منهم.
قلت ليس فيه تمسك له وكفى بقوله فأولئك تحروا رشدا فذكر سبب الثواب والله أعدل وأكرم من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد.
فإن قلت كيف يعذب الجن بالنار وقد خلقوا منها.
قلت وإن خلقوا من النار فقد تغيروا عن تلك الهيئة وصاروا خلقا آخر والله تعالى قادر أن يعذب النار بالنار قوله عزوجل : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ).
اختلفوا فيمن يرجع الضمير إليه فقيل هو راجع إلى الجن الذين تقدم ذكرهم ووصفهم والمعنى لو استقام الجن على الطريقة المثلى الحسنى لأنعمنا عليهم وإنما ذكر الماء كناية عن طيب العيش وكثرة المنافع وقيل معناه لو ثبت الجن الذين سمعوا القرآن. على الطريقة التي كانوا عليها قبل استماع القرآن ولم يسلموا (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي لوسعنا الرزق عليهم.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩))
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) وقيل الضمير راجع إلى الإنس وتم الخبر عن الجن ثم رجع إلى خطاب الإنس فقال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) يعني كفار مكة على الطريقة يعني على طريقة الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين «لأسقيناهم ماء غدقا» يعني كثيرا وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين.
والمعنى لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا ولأعطيناهم ماء كثيرا وعيشا رغدا. وإنما ذكر الماء الغدق مثلا لأن الخير والرزق كله أصله من المطر وقوله «لنفتنهم فيه» أي لنختبرهم كيف شكرهم فيما خولوا فيه. وقيل في معنى الآية لو استقاموا أي ثبتوا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالا كثيرا ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا لهم حتى يفتنوا به فنعذبهم والقول الأول أصح لأن الطريقة معرفة بالألف واللام وهي طريقة الهدى والقول بأن الآية في الإنس أولى لأن الإنس هم الذين ينتفعون بالمطر (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) أي عن عبادة ربه وقيل عن مواعظه (يَسْلُكْهُ) أي يدخله (عَذاباً صَعَداً) ، قال ابن عباس شاقا وقيل عذابا لا راحة فيه وقيل لا يزداد إلا شدة.
قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) يعني المواضع التي بنيت للصلاة والعبادة ، وذكر الله تعالى فيدخل فيه