(سَقَرَ) هو اسم من أسماء جهنّم وقيل آخر دركاتها (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) أي وما أعلمك أي شيء هي سقر ، وإنما ذكره على سبيل التّهويل والتّعظيم لأمرها (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) قيل هما بمعنى كما تقول صد عني وأعرض عني وقيل لا بد من الفرق وإلا لزم التكرار فقيل معناه لا تبقى أحدا من المستحقين للعذاب إلا أخذته ، ثم لا تذر من لحوم أولئك شيئا إلا أكلته وأهلكته ، وقيل لا يموت فيها ولا يحيا أي لا تبقى من فيها حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا وأعيدوا ، وقيل لا تبقى لهم لحما ولا تذر منهم عظما ، وقيل لكل شيء ملال وفترة إلا جهنم ليس لها ملال ولا فترة فهي لا تبقى عليهم ولا تذرهم (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) جمع بشرة أي مغيرة للجلد حتى تجعله أسود قال مجاهد : تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادا من اللّيل وقال ابن عباس : محرقة للجلد ، وقيل تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا.
(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢))
(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) أي على النار تسعة عشر من الملائكة وهم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر جاء في الأثر «إن أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصّياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة قد نزعت منهم الرّحمة يدفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم» وقال عمرو بن دينار : إن أحدهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية. قال أبو جهل : لقريش ثكلتكم أمهاتكم أسمع من ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم يعني الشجعان أفيعجز كل عشر منكم أن تبطش بواحد منهم يعني خزنة جهنم ، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي أنا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، واكفوني أنتم اثنين ويروى عنه أنه قال أنا أمشي بين أيديكم على الصّراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) يعني لا رجالا آدميين فمن ذا يغلب الملائكة وإنما جعلهم ملائكة ليكونوا من غير جنس المعذبين وأشد منهم لأن الجنسية مظنة الرّأفة والرّحمة (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) أي عددهم في القلة (إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا ، وقيل فتنتهم هي قولهم لم لم يكونوا عشرين ، وما الحكمة في تخصيص هذا العدد وقيل فتنتهم هي قولهم كيف يقدر هذا العدد ، القليل على تعذيب جميع من في النار.
وأجيب عن قولهم لم لم يكونوا عشرين بأن أفعال الله تعالى لا تعلل ولا يقال فيها لم ، وتخصيص الزبانية بهذا العدد لأمر اقتضته الحكمة ، وقيل وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر أن هذا العدد يجمع أكثر القليل ، وأقل الكثير ، ووجه ذلك أن الآحاد أقل الأعداد وأكثرها تسعة ، وأقل الكثير عشرة فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير وأكثر القليل لهذه الحكمة ، وما سوى ذلك من الأعداد فكثير لا يدخل تحت الحصر.
وأجيب عن قولهم كيف يقدر هذا العدد القليل على تعذيب جميع أهل النّار ، وذلك بأن الله جلّ جلاله يعطي هذا القليل من القوة والقدرة ما يقدرون به على ذلك ، فمن اعترف بكمال قدرة الله ، وأنه على كل شيء قدير وأن أحوال القيامة على خلاف أحوال الدنيا زال عن قلبه هذا الاستبعاد بالكلية. (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني أن هذا العدد مكتوب في التّوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن العدد كان موجودا في كتابهم وأخبر به النّبي صلىاللهعليهوسلم