(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦))
(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً) يعني أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لطلب مكافأتكم (عَبُوساً) وصف ذلك اليوم بالعبوس مجازا كما يقال نهاره صائم ، والمراد أهله والمعنى تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة. (قَمْطَرِيراً) يعني شديدا كريها يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس ، وقيل العبوس الذي لا انبساط فيه ، والقمطرير الشديد ، وقيل هو أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي الذي يخافونه (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) أي حسنا في وجوههم (وَسُرُوراً) أي في قلوبهم (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) أي على طاعة الله واجتناب معصيته ، وقيل على الفقر والجوع مع الوفاء بالنذر والإيثار (جَنَّةً وَحَرِيراً) أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير (مُتَّكِئِينَ فِيها) أي في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولا تسمى أريكة إلا إذا اجتمعا (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) يعني لا يؤذيهم حر الشمس ، ولا برد الزمهرير كما كان يؤذيهم في الدنيا والزمهرير أشد البرد وحكى الزمخشري قولا أن الزمهرير هو القمر وعن ثعلب أنه في لغة طيئ وأنشد :
وليلة ظلامها قد اعتكر |
|
قطعتها والزمهرير ما زهر |
والمعنى أن الجنة ضياء لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي قريبة منهم ظلال أشجارها (وَذُلِّلَتْ) أي سخرت وقربت (قُطُوفُها) أي ثمارها (تَذْلِيلاً) أي يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ، ويتناولونها كيف شاؤوا وعلى أي حال أرادوا. (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) قيل هي الكيزان التي لا عرى لها كالقدح ونحوه كانت قواريرا قوارير من فضة قال أهل التفسير أراد بياض الفضة في صفاء القوارير وهو الزجاج ، والمعنى أن آنية أهل الجنة من فضة بيضاء في صفاء الزجاج ، والمعنى يرى ما في باطنها من ظاهرها ، قال الكلبي : إن الله تبارك وتعالى جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم ، وإن أرض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها ، وقيل إن القوارير التي في الدنيا من الرمل والقوارير التي في الجنة من الفضة ، ولكنها أصفى من الزجاج. (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدروا الكؤوس على قدر ريهم ، وكفايتهم لا تزيد ولا تنقص. والمعنى أن السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها لهم ثم يسقونهم.
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١))
(وَيُسْقَوْنَ فِيها) أي في الجنة (كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) قيل إن الزنجبيل هو اسم للعين التي يشرب منها الأبرار يوجد منها طعم الزنجبيل يشرب بها المقربون صرفا ، ويمزج لسائر أهل الجنة ، وقيل هو النبت المعروف ، والعرب كانوا يجعلون الزنجبيل في شرابهم لأنه يحصل فيه ضرب من اللذع قال الأعشى :
كأن القرنفل والزنجبيل |
|
باتا بفيها وأريا مشورا |
الأري العسل والمشور المستخرج من بيوت النحل وقال المسيب بن علس :