الحكمة المحضة ، وقيل معناه فاصبر لحكم ربك في تأخير الإذن في القتال ، وقيل هو عام في جميع التكاليف ، أي فاصبر لحكم ربك في كل ما حكم الله به سواء كان تكليفا خاصا كالعبادات والطاعات أو عاما متعلقا بالغير كالتبليغ ، وأداء الرسالة وتحمل المشاق وغير ذلك. (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) قيل أراد به أبا جهل ، وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم نهاه أبو جهل عنها ، وقال لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه ، وقيل أراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، وبالكفور الوليد بن المغيرة وذلك أنهما قالا للنبي صلىاللهعليهوسلم إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء ، والمال فارجع عن هذا الأمر ، وقال عتبة أنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر ، وقال الوليد أنا أعطيك من المال حتى ترضى فارجع عن هذا الأمر فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فإن قلت هل من فرق بين الآثم والكفور قلت نعم. الآثم هو المقدم على المعاصي أي معصية كانت ، والكفور هو الجاحد فكل كفور آثم ، ولا ينعكس لأن من عبد غير الله فقد اجتمع في حقه هذان الوصفان لأنه لما عبد غير الله فقد عصاه وجحد نعمه عليه. (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) قيل المراد من الذكر الصلاة ، والمعنى وصل لربك بكرة يعني صلاة الصبح وأصيلا يعني صلاة الظهر والعصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) يعني صلاة المغرب والعشاء فعلى هذا تكون الآية جامعة لمواقيت الصلاة الخمس (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) يعني صلاة التطوع بعد المكتوبة وهو التهجد بالليل ، وقيل المراد من الآية هو الذكر باللسان ، والمقصود أن يكون ذاكرا لله تعالى في جميع الأوقات في الليل والنهار بقلبه وبلسانه. قوله عزوجل : (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني كفار مكة (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يعني الدار العاجلة ، وهي الدنيا. (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) يعني أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً) يعني شديدا وهو يوم القيامة والمعنى أنهم يتركونه فلا يؤمنون به ، ولا يعملون له (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا) أي قوينا وأحكمنا (أَسْرَهُمْ) أي خلقهم وقيل أوصالهم شددنا بعضها إلى بعض بالعروق والأعصاب ، وقيل الأسر مجرى البول والغائط ، وذلك أنه إذا خرج الأذى انقبضا. (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) أي إذا شئنا أهلكناهم ، وآتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))
(إِنَّ هذِهِ) أي السورة (تَذْكِرَةٌ) أي تذكير وعظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ) أي لنفسه في الدنيا (إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي وسيلة بالطاعة ، والتقرب إليه وهذه مما يتمسك بها القدرية يقولون اتخاذ السبيل هو عبارة عن التقرب إلى الله تعالى ، وهو إلى اختيار العبد ، ومشيئته قال أهل السنة ويرد عليهم قوله عزوجل في سياق الآية. (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي لستم تشاؤون إلا بمشيئة الله تعالى لأن الأمر إليه ، ومشيئة الله مستلزمة لفعل العبد فجميع ما يصدر عن العبد بمشيئة الله جلّ جلاله وتعالى شأنه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) أي بأحوال خلقه وما يكون منهم (حَكِيماً) أي حيث خلقهم مع علمه بهم (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي في دينه وقيل في جنته فإن فسرت الرحمة بالدين كان ذلك من الله تعالى وإن فسرت بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئة الله جلّ جلاله وتعالى شأنه وفضله وإحسانه لا بسبب الاستحقاق (وَالظَّالِمِينَ) يعني المشركين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي مؤلما ، والله سبحانه وتعالى أعلم.