(وَزَيْتُوناً) وهو ما يعصر منه الزيت (وَنَخْلاً وَحَدائِقَ) جمع حديقة (غُلْباً) يعني غلاظ الأشجار ، وقيل الغلب الشجر الملتف بعضه على بعض. وقال ابن عباس : طوالا (وَفاكِهَةً) يعني جميع ألوان الفاكهة (وَأَبًّا) يعني الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس مما يأكله الدواب والأنعام ، وقيل فاكهة ما يأكله الناس ، والأب ما يأكله الدّواب. وقال ابن عباس : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس. والأنعام روى إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) فقال أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم (خ) عن أنس أن عمر قرأ (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) قال فما الأب ، ثم قال ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا لفظ البخاري ، وزاد غيره ثم قال اتبعوا ما بين لكم هذا الكتاب وما لا فدعوه. (مَتاعاً لَكُمْ) يعني الفواكه والحب ، والعشب منفعة لكم (وَلِأَنْعامِكُمْ) ثم ذكر أهوال القيامة فقال تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) يعني صيحة القيامة سميت صاخة لأنها تصخ أسماع الخلق ، أي تبالغ في أسماعهم حتى تكاد تصمها (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) أي إنه لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لشغله بنفسه ، والمراد من الفرار التّباعد ، والسبب في ذلك الاحتراز عن المطالبة بالحقوق فالأخ يقول ما واسيتني بمالك ، والأبوان يقولان قصرت في برنا ، والصاحبة تقول لم توفني حقي والبنون يقولون ما علمتنا وما أرشدتنا ، وقيل أول من يفر هابيل من أخيه قابيل ، والنبي صلىاللهعليهوسلم من أمه وإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام من أبيه ولوط من صاحبته ونوح من ابنه ، وقيل يفر المؤمن من موالاة هؤلاء ، ونصرتهم والمعنى أن هؤلاء الذين كانوا يقربونهم في الدنيا ، ويتقوون بهم ويتعززون بهم يفرون منهم في الدّار الآخرة ، وفائدة الترتيب كأنه قيل يوم يفر المرء من أخيه بل من أبويه لأنهما أقرب من الإخوة بل من الصّاحبة ، والولد لأن تعلقه بهما أشد من تعلقه بالأبوين (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي يشغله شأن نفسه عن شأن غيره عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تحشرون حفاة عراة غرلا ، فقالت امرأة أيبصر أحدنا ، أو يرى بعضنا عورة بعض قال : يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» أخرجه التّرمذي وقال : حديث حسن صحيح ولما ذكر الله تعالى حال القيامة ، وأهوالها بين حال المكلفين ، وأنهم على قسمين منهم السعداء والأشقياء. فوصف السّعداء بقوله تعالى :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة من أسفر الصبح إذا أضاء ، وقيل مسفرة من قيام اللّيل ، وقيل من أثر الوضوء ، وقيل من الغبار في سبيل الله (ضاحِكَةٌ) أي عند الفراغ من الحساب (مُسْتَبْشِرَةٌ) أي بالسرور فرحة بما تنال من كرامة الله ، ورضوانه. ثم وصف الأشقياء فقال تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) أي سواد وكآبة للهم الذي نزل بهم (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) أي تعلوها ، وتغشاها ظلمة ، وكسوف وقال ابن عباس : تغشاها ذلة والفرق بين الغبرة والقترة أن الغبرة ما كان أسفل في الأرض ، والقترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء (أُولئِكَ) أي الذين صنع بهم هذا (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) جميع كافر وفاجر والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.