بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال : ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني. فأنزل الله تعالى (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) قيل هذا على وجه التمثيل ، ولم يكن هناك غل ، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع ، فجعل الأغلال مثلا لذلك ، وقيل حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال ، وقيل إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل ، وقيل إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله عزوجل بهم في النار (فَهِيَ) يعني الأيدي (إِلَى الْأَذْقانِ) جمع ذقن وهو أسفل اللحيين لأن الغل بجمع اليد إلى العنق (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) يعني رافعو رؤوسهم مع غض البصر وقيل أراد أن الأغلال رفعت رؤوسهم فهم مرفعو الرؤوس برفع الأغلال لها (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) معناه منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد ، وقيل حجبناهم بالظلمة عن أذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو قوله تعالى : (فَأَغْشَيْناهُمْ) يعني فأعميناهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) يعني سبيل الهدى (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني من يرد الله إضلاله لم ينفعه الإنذار (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع القرآن فعمل بما فيه (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي خافه في السر والعلن (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) يعني لذنوبه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) يعني الجنة.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣))
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) يعني للبعث (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أي من الأعمال من خير وشر (وَآثارَهُمْ) أي ونكتب ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة (م) عن جرير بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» وقيل نكتب خطاهم إلى المسجد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال «كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (خ) عن أنس رضي الله عنه قال : أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تعرى المدينة فقال : «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟» فأقاموا. قوله تعرى يعني تخلى فتترك عراء وهو الفضاء من الأرض الخالي الذي لا يستره شيء (م). عن جابر قال خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال : «بني سلمة دياركم تكتب آثاركم». فقالوا ما يسرنا إذا تحولنا. قوله بني سلمة أي يا بني سلمة وقوله : دياركم أي الزموا دياركم (ق). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى ، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام».
قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) أي حفظناه وعددناه وأثبتناه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) يعني اللوح المحفوظ.
قوله عزوجل : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) يعني صف لهم شبها مثل حالهم من قصة (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) يعني أنطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
(ذكر القصة في ذلك) قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى عليهالسلام رسولين من الحواريين إلى أهل